المصحف المرتل

( خطبة اليوم : الأزياء المُخالفة لِشرع الله )

الأزياء المحرمة

 الخطبة الأولى


الحمد لله الذي أنزل على عباده لباسًا يواري سوءاتهم وريشا، وجعل الرجولة نعمة مستوجبة للشكر بالحفاظ عليها، أحمده سبحانه؛ نهى عن صفة التميُّع والتخنُّث وجميع ما يفضي إليها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صاحب الرجولة الحقَّة، والرسالة الخالدة المبينة في نورها، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد.


فاتقوا الله عباد الله: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].


أيها المسلمون:


إن من نعم الله تعالى وعظيم آلائه وكريم مننه: أن اختصَّ كلاًّ من الذكر والأنثى بخصائص وميَّزه بميزات وأفرده بصفات هيَّأه بها؛ لأداء مهمته في حياته الدنيا على أكمل الوجوه، فجعل للذكر من صفات الرجولة وخلائقها، وللأنثى من سمات الأنوثة ومعالمها - ما لا سبيل إلى بلوغ أفضل ولا أكمل ولا أجمل ولا أحكم منه في ميزان ذوي العقول السليمة؛ لأنه مقتضى حكمة الله البالغة؛ ولأنه تقدير العزيز العليم بعباده: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].


فليس عجبًا أن يكون كل ميل عن هذا التبليغ، وكل خروج عن هذا التقدير - انحرافًا في الفِطَر، وانعكاسًا في الطبيعة، والتباسًا في العقول، وحَيْدَةً عن السلوك القويم والنهج الراشد، وتشويهًا للشخصية الإسلامية الفذَّة المتميِّزة.


ألا وإنَّ من أظهر ما مُنِيَ به فريقٌ من المسلمين، وإن من أقبح ما نزل بهم: إفتتان بعض شبابهم بكل مظهر مخالِف لمقتضى الفطرة، معرضٍ عن أمر الله، يتجلَّى ذلك في جملةٍ من التجاوزات والأعمال التي تأتي في الطليعة منها هذه الأزياء والألبسة العجيبة، الجامعة بين نبذ الضوابط الشرعية وبين خدش الحياء ومنافاة الذوق والأعراف القويمة!!


فإذا كان اللباس الذي شرعه الله لعباده ومنَّ به عليهم محقِّقًا سترَ العورات، ومحقِّقًا لمواراتها من جهة، وكذلك شرعه سبحانه زينةً وتكملاً وبعدًا عن مظهر النقص الذي تنبو عنه العيون من جهة أخرى كما قال سبحانه: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ [الأعراف: 26]؛ فكيف يصحُّ في الأذهان، وكيف يستقيم في الألباب أن تحوَّل هذه النعمة إلى نقمة، وأن يُصرَف هذا الكمال إلى النقص، وأن يُصار بهذه الزينة إلى القبح؟!


هذا وإن ما يُرى على كثيرٍ من شباب المسلمين في هذه الأيام من أزياء وألبسة لأوضح برهان وأظهر دليل على ذلك، من ألبسة تكشف العورات أو تشفُّ عنها، إلى أخرى تجسِّدها أو توجِّه الأنظار إليها بمختلف الصور وشتَّى الطرق التي لا حصر لها، مما تطلع بها علينا بيوت الأزياء ومصمِّموا الملابس وموزعوا الماركات الشهيرة صباح مساء!!


حتى إن بعض هذه الألبسة وبعض هذه الأزياء أضحى به لابسه مسخًا عجيبًا، لا يُعرف به جنسه، ولا تُعرف به حقيقته الضائعة بين أشتات الألوان واللبسات والمشيات والحركات، وسائر السلوكيات التي تجعل صاحبها أقرب إلى الأنوثة وخصائصها منه إلى الرجولة ومعالمها، حتى حين لم يأبه بما ورد من وعيدٍ بمقترف هذه الخصلة، وذلك في الحديث الذي أخرجه أبو داود في "سننه"، والنسائي في "سننه الكبرى"، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه" - بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يلبس لبسة المرأة، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجل".


وحين لم يرتدع أيضًا بالوعيد الصارخ الوارد في حقِّ مَنِ انحرفت فطرته وانعكست طبيعته بالتشبُّه بالنساء، وذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" وأصحاب السنن في "سننهم"، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبِّهين من الرجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرجال".


عباد الله:


إن الشخصية الإسلامية قائمةٌ على أسس الفطرة وقواعد الشريعة وضوابط الحلال والحرام؛ فهي كما أمرها الله قوية التميز، واضحة السِّمات، لا مجال فيها لاختلال المفاهيم ولا لتداخل الأدوار ولا لتنازع الخصائص، فلكلٍّ من الرجال والنساء صفاته، ولكلٍّ منهما مهمَّاته وأدواره التي أُنيطت به.


فعدم إدراك ذلك أو عدم مراعاته، والقعود عن القيام بمقتضياته - خللٌ كبيرٌ، وصدأٌ عظيمٌ، وثغرةٌ خطيرةٌ ينفذ منها إلى المجتمع الإسلامي كلُّ نقصٍ، ويتسرب إليه منها كلُّ ضرر، ويُخشى عليه منها كلُّ شرٍّ.


فاتقوا الله عباد الله واعملوا على الحفاظ على خصائص الرجولة في شبابكم؛ بتعهُّدها، والعناية بها، ورعايتها حقَّ رعايتها، بسلامة التنشأة، وسداد التربية، ومتابعة الرقابة والتوجيه، والتحذير من مغبَّة التزيِّي بالأزياء المخالفة لشرع الله، المتعدِّية لحدوده، المصادمة لسليم الفطرة وصحيح الطبيعة وكريم الأخلاق.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].


نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، إنه كان غفارًا.



الخطبة الثانية


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدالله ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد.


فيا عباد الله:


إن خطر فقدان الشخصية الإسلامية لا منتهى له ولا حدود تحدّه، ولا اختصاص له بفئةٍ دون أخرى؛ بل هو عامٌّ شاملٌ ينذر بتصدُّع البُنيان، وإنَّ من أعظم ذلك خطرًا وأشده ضررًا - نشوء أجيالٍ من أبناء المسلمين في غربةٍ عن دينهم، وانفصالٍ عن أمَّتهم، وخروجٍ عن الصالح القويم من أعرافها، لا يهمُّهم إلا التوافه، ولا يحرِّكهم إلا التقليد الأعمى والفتنة بما عند الآخرين من الأعراف والأزياء والألبسة، التي تعكس طرائق تفكيرهم ومنهج حياتهم.


فحذارِ يا عباد الله من هذا الضياع حذار؛ فإنه والله خزيٌ وعارٌ وشنارٌ.


اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلِّ شر.


اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين.


اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا.


﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].


﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].


وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.



[ الشيخ : أسامة بن عبد الله خياط ]

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Por favor, não spam aqui. Todos os comentários são revisados ​​pelo administrador.