المصحف المرتل

خطبة اليوم : (البشارة لأهل الإستقامة)


 الخطبة الأولى :


إنَّ الحمد لله ؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله ، وصفيُّه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


أمَّا بعدُ أيها المؤمنون :

اتقوا الله ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جل وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.


أيها المؤمنون :

يقول الله تبارك وتعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت:30-32].


معاشر العباد :

هذه الآيات الكريمات جاءت تحمل بشارةً عظيمة جليلة القدر ؛ بشارةً لأولياء الله وأصفيائه من عباده ؛ مَن لزموا طاعة الله واستقاموا على دين الله ، وأخلصوا دينهم لله ، وثبتوا على الحق والهدى إلى الممات ، تحمل بشارة عظيمة لهؤلاء وفي الوقت نفسه -عباد الله- تحمل تنشيطًا لغيرهم ممن يتلو هذه الآيات البينات ليأتسي بهؤلاء ويتصف بصفات الأولياء الأصفياء ليكون من أهل هذه البشارة وليحظى بهذا الخير العظيم والإنعام العميم.


﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } ؛ هذه صفتهم وهذه حِليتهم وهذا شأنهم ؛ إيمانٌ بالله وهو يعني صحة معتقدهم وسلامة إيمانهم وتمام إخلاصهم وبُعدهم عن الشرك قليله وكثيره ، فأعمالهم لله خالصة ، وطاعاتهم وقرباتهم يبتغون بها وجه الله جل في علاه ، ثم هم في استقامةٍ دائمة وملازمةٍ لطاعة الله جل وعلا مستمرة ولزومٍ لصراط الله المستقيم.


هؤلاء عند مماتهم ، عند نزول الموت بهم ؛ تتنزل عليهم ملائكة الرحمة ، ملائكة البشارة ، ملائكة التهنئة بالخير ، في تلك اللحظات العصيبة الحرجة ، وفي تلك اللحظات يجتمع على المرء خوفٌ وحزن ؛ خوفٌ من المصير الذي هو صائر إليه ، وحزنٌ على ما هو تارك من أهلٍ وولدٍ ومال ونحو ذلك ، فتتنزَّل عليه الملائكة تحمل بشارة عظيمة وتهنئة كريمة تُدخِل بها سرورًا على قلبه ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} ؛ ألا تخافوا مما أنتم قادمون عليه ، ولا تحزنوا على ما أنتم مفارقون ؛ أما القدوم فعلى رب كريم رؤوف رحيم وفوزٍ بالجنان ورضا الرحمن جل وعلا، ولا تحزنوا على ما أنتم تاركون فإنهم في حفظ الله وكلاءته ورعايته.


﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ } تبشرهم في تلك اللحظات العصيبة بالجنة ؛ أي أنتم من أهلها ، لأنكم عملتم بالأعمال الموصلة إليها ثباتًا على دين الله واستقامةً على طاعة الله جل وعلا ، فتبشرهم بالجنة ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)}.


{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ﴾ وهذا من قول الملائكة لهم ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ حفظًا للعباد {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:11] أي بأمر الله ، ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ حفظًا ومعونةً ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ في مواقفها العصيبة وأهوالها الشديدة ، ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ ثم يخبرونهم ما أعد الله سبحانه وتعالى لهم في الجنات من عظيم العطايا وجميل الهبات وجزيل المنن ، وأنَّ لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم وتطلبه نفوسهم وتطيب به خواطرهم وتلذ به أعينهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، كل ذلك المعَدّ لهؤلاء في جنات النعيم هو نُزُل أي ضيافة وإنعام وإكرام من ربٍ غفور رحيم ؛ غفور لذنوبهم ، رحيمٍ رؤوفٍ بهم.


أيها العباد :

جدير بكل مسلم ناصح لنفسه أن يتأمل هذه الآيات الجوامع التي تحمل بيانًا للصراط المستقيم وبيانًا للثواب المعَدِّ لأهله في جنات النعيم ، جاء في صحيح مسلم عن سفيان ابن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال : قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ» ، قَالَ : ((قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ)) هذا هو دين الله وهذا هو الإسلام ، وهذه الكلمة تجمع الإسلام كله ((قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ)) ، فالإسلام -عباد الله- عقيدةٌ وشريعة ، علمٌ وعمل ، إيمانٌ وتقرب لله تبارك وتعالى.


نسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا أجمعين إيمانًا صادقا واستقامةً على طاعة الله وثباتًا على دينه إلى يوم نلقاه


أقول هذا القول؛ وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية :


الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أمَّا بعدُ أيها العباد اتقوا الله تعالى.


عباد الله :

إذا عرف العبد قيمة الإيمان والاستقامة على طاعة الرحمن وما يترتب على ذلك من آثار مباركات وخيرات عميمات في الدنيا والآخرة ، فليتنبَّه أن هذه الدنيا فيها قواطع كثيرة وصوارف عديدة وملهيات متنوعات شاغلات؛ فينبغي على الناصح لنفسه أن لا يغرَّه متاع زائل وزخرف فان عمَّا خُلق لأجله وأوجد لتحقيقه من عبادة الرحمن وطاعة الرب العظيم جل في علاه ، وليحذر من تسويفٍ وتأجيل وإبطاءٍ في التوبة وتأخيرٍ لها ، بل عليه أن يسارع في الإنابة إلى الله وحُسن الإقبال عليه جل في علاه ، وأن يُلزِم نفسه طريق الاستقامة ، وأن يزمَّ نفسه بزمام الشريعة ثباتًا على الحق واستقامةً على طاعة الرب جل في علاه ، داعيًا ربه سائلًا مولاه أن يثبِّت قلبه على الحق والهدى ، وكان من أكثر دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم ((يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) ، ومن أدعية القرآن {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:8].


هذا وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦].


وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).


اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.


اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكِّها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، والموت راحةً لنا من كل شر.


اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.


ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


[ الشيخ : عبد الرزاق البدر ]

إرسال تعليق

1 تعليقات
* Por favor, não spam aqui. Todos os comentários são revisados ​​pelo administrador.