المصحف المرتل

شرح أصول الثلاثة 1

مهمة في العقيدة، ألَّفها الشيخُ أبو عبدالله الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي الحنبلي، الإمام المشهور، المجدد لِما اندرس من معالم الإسلام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، رحمه الله وأكرم مثواه.

وقد كان رحمه الله يُلقن الطلبة والعامَّة هذه الأصول؛ ليدرسوها ويحفظوها، ولتستقر في قلوبهم؛ لكونها قاعدة في العقيدة.

وكانت وفاته سنة ستٍّ ومئتين وألف من الهجرة، وكان مولده سنة خمس عشرة ومئة وألف من الهجرة، فقد عمَّر إحدى وتسعين سنة، وقد كان عمرًا مليئًا بالخير والدَّعوة إلى الله، والتعليم والإرشاد والصبر على ذلك، وقد أنقذ الله به العباد والبلاد في زمانه في هذه الجزيرة، وانتشرت دعوتُه في غير الجزيرة من الشام ومصر والعراق والهند وغيرها، بسبب الدُّعاة الذين حملوا عنه العلم، وانتقلوا إلى تلك البلدان والدول، وبسبب المكاتيب والكتب التي انتشرت منه رحمه الله ومن أتباعه وأنصاره والدّعاة التابعين له في الدَّعوة إلى الله.

يقول رحمه الله: اعلم أنه يجب علينا معشر المسلمين، كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الأربع: وهي العلم، والثانية: العمل، والثالثة: الدعوة، والرابعة: الصبر، أربع مسائل يتعلمها المؤمن والمؤمنة، صغارًا وكبارًا.

الأولى: العلم: على الإنسان أن يتعلم ويتبصر حتى يكون على بينةٍ، ويعرف دين الله الذي خُلق من أجله، وهذا العلم هو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، فهذا أول شيءٍ: أن يتبصر العبد، مَن هو ربه؟ فيعرف أنَّ ربه الخالق الذي خلقه، ورزقه، وأسدى إليه النعم، وخلق من قبله، ويخلق من بعده، هو رب العالمين، وأنه الإله الحق المعبود الذي لا يستحق العبادة سواه أبدًا: لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا جنّ، ولا إنس، ولا صنم، ولا غير ذلك، بل العبادة حقّ لله وحده، فهو المعبود بحقٍّ، وهو المستحق أن يُعبد، وهو ربّ العالمين، وهو ربك وخالقك وإلهك الحقّ .

هذه المسألة الأولى، فتعرف ربَّك ونبيَّك ودينَك بالأدلة، قال الله، وقال الرسول، لا بالرأي، ولا بقول فلانٍ، بل بالأدلة من الآيات والأحاديث، وذلك هو دين الإسلام الذي أنت مأمور بالدخول فيه والالتزام به، وهو عبادة الله التي قال فيها وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذه العبادة هي الإسلام، وهي طاعة الله ورسوله، والقيام بأمر الله، وترك محارمه. هذه هي العبادة التي خُلق الناس لأجلها، وأمر الله بها الناس في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] يعني: اعبدوه بطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، وإسلام الوجه له، وتخصيصه بالعبادة .

ومن ذلك أن تعرف نبيك، وهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب، الهاشمي، القرشي، المكي، ثم المدني عليه الصلاة والسلام، فتعرف أنه نبيك، وأنَّ الله أرسله إليك بدين الحقِّ، يُعلمك ويُرشدك، فتؤمن بأنه رسول الله حقًّا، وأن الله أرسله للعالمين جميعًا من الجن والإنس، وأن الواجب اتباعه، والسير على منهاجه.

وسيأتي تفصيل هذا في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة.

الثانية: العمل بهذا الدين -دين الإسلام- من صلاةٍ وصومٍ وجهادٍ وحجٍّ وإيمانٍ وتقوى، فتعمل بالإسلام؛ لأنك مخلوق لله، ومخلوق لعبادة الله، فعليك أن تعلم وتعمل به، فتعبد الله وحده، وتُقيم الصلاة، وتُؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتُؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرِّه، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتبرّ والديك، وتصل الأرحام، إلى غير ذلك، فتعمل بما أمرك الله به، وتنتهي عمَّا نهاك الله عنه.

هذا هو الأمر الثاني: العمل بالدين الذي أنت مأمور به فعلًا وتركًا، تترك المعاصي التي أنت منهي عنها، وتفعل الواجبات التي أنت مأمورٌ بها.

الثالثة: الدَّعوة إلى هذا الدين: تدعو إلى هذا الدين؛ فتنصح الناس بأن يستقيموا عليه، وتُرشدهم وتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر. هذه هي الدَّعوة إلى دين الإسلام، كل إنسانٍ يدعو إلى الله حسب طاقته وعلمه، فكل واحدٍ -رجل أو امرأة- عليه قسط من هذا الواجب: من التبليغ والدعوة والإرشاد والنَّصيحة، كلٌّ على قدر علمه وقدر قدرته يدعو إلى توحيد الله، وإلى الصلاة والمحافظة عليها، وإلى الزكاة وأدائها، وإلى صوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة، وإلى برّ الوالدين، وصلة الأرحام، وترك المعاصي كلها. كلٌّ حسب طاقته يدعو.

الرابعة: الصبر: أي يصبر على الأذى في هذه الأشياء، فقد يحصل للإنسان أذًى: قد يتعب، قد يُؤذيه بعض الناس، لا بد من الصبر، الصبر على إيمانك بالله ورسوله، الصبر على العمل بما أوجب الله عليه، وترك ما حرَّم الله عليه، لا بدَّ من الصبر في الدَّعوة إلى الله، والتعليم، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر.

فلا بدَّ من الصبر في هذه الأمور كلها، فالدين كله يحتاج إلى صبرٍ: صبرٍ على أن تعبد الله وحده، وصبرٍ على أن تُصلي، وتُزكي، وتصوم، وتحج، وصبرٍ على أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى الله، وصبرٍ عن المحارم والسَّيئات، فتحذر من قربها، لا بدَّ من الصبر.

فالإنسان إذا لم يصبر وقع فيما حرَّم الله عليه، وترك ما أوجب الله عليه، لا بدَّ من صبرٍ؛ ولهذا قال تعالى لرسوله: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35]، وقال سبحانه: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48]، وقال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، وقال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، وقال تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] يعني: اصبروا على طاعة الله، وترك معصيته، واحذروا مخالفة أمره، وارتكاب نهيه.

والدليل على هذه الأربع: قوله تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]، ففي هذه السورة العظيمة الحجة لهذه الأمور، وهذا هو الدين كله.

فالدين كله إيمان وعمل ودعوة وصبر، علم بالحق، وعمل به، ودعوة إليه، وصبر على الأذى فيه، والناس في خسارةٍ وهلاكٍ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، إلا إذا استثناهم الله، يعني: بني آدم في خسرانٍ، وعلى طريق الهلاك: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، فهؤلاء هم الرابحون، وهم السُّعداء.

وقد أقسم الله على هذا بقوله: وَالْعَصْرِ حلف وهو الصَّادق  وإن لم يُقسم، ولكن أقسم لتأكيد المقام، والله  يُقسم بما شاء من خلقه، فلا أحد يتحجر عليه، فأقسم بالسَّماء ذات البروج، وأقسم بالسَّماء والطارق، وبالضحى، وبالشمس وضحاها، وبالليل إذا يغشى، وبالنازعات، وغير ذلك؛ لأنَّ المخلوقات تدل على عظمته، وعلى أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، فأقسم بها لبيان عظم شأن هذه المخلوقات التي تدل على وحدانيته، وأنه المستحق للعبادة وحده.

وأما المخلوق فليس له أن يُقسم إلا بربه، فلا يُقسم ولا يحلف إلا بالله، ولا يجوز له أن يحلف بالأنبياء، ولا بالأصنام، ولا بالصَّالحين، ولا بالأمانة، ولا بالكعبة، ولا بغيرها. هذا هو الواجب على المسلم؛ لقول النبي ﷺ: مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت.

فالواجب على كل مسلمٍ ومسلمةٍ أن يحذر من الحلف بغير الله، وأن تكون أيمانهم كلها بالله وحده .

قال الشافعي رحمه الله، وهو الإمام المشهور، أحد العلماء الكبار، وأحد الأئمة الأربعة، وهو محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، المولود سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة أربع ومئتين، كان عمره أربعًا وخمسين سنة رحمه الله.

يقول رحمه الله: "لو ما أنزل الله حُجَّةً على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"، وفي روايةٍ: "لو فكَّر الناسُ في هذه السورة لكفتهم"؛ أي: لو نظروا فيها وتأمَّلوا فيها لكانت كافيةً في إلزامهم بالحقِّ، وقيامهم بما أوجب الله عليهم، وترك ما حرَّمه عليهم؛ لأنَّ الله بيَّن أن الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات وتواصوا بالحقِّ وتواصوا بالصبر هم الرابحون، ومَن سواهم خاسر، وهذه حجة قائمة على وجوب التَّواصي، والتَّناصح، والإيمان، والصبر، والصدق، وأنه لا طريقَ للسعادة والربح إلا بهذه الصفات الأربع: إيمان صادق بالله ورسوله، وعمل صالح، وتواصٍ بالحق، وتواصٍ بالصبر.

قال البخاري، هو أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، من بخارى في الشرق الأقصى، ولد سنة أربع وتسعين ومئة، في آخر القرن الثاني، ومات سنة ستٍّ وخمسين ومئتين، في وسط القرن الثالث، كان عمره اثنتين وستين سنةً، وهو صاحب الصحيح، وله مؤلفات أخرى عظيمة نافعة، رحمه الله.

يقول: "باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله سبحانه: فَاعْلَمْ أنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ [محمد:19]"، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، فالإنسان عليه أن يتعلم أولًا ثم يعمل، فيتعلم دينه ويتبصر ويعمل.

وفَّق الله الجميع.

الثانية: أنَّ الله لا يرضى أن يُشْرَك معه في عبادته أحدٌ: لا ملك مُقرَّب، ولا نبي مُرْسَل.

والدليل قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18].

الثالثة: أنَّ مَن أطاع الرسول ووحَّد الله لا يجوز له مُوالاة مَن حادَّ الله ورسوله، ولو كان أقرب قريبٍ.

والدليل قوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].

هذه المسائل الثلاث من أهم المسائل التي تتعلق بالتوحيد وحقوقه، والله جلَّ وعلا خلق الخلق ليعبدوه، ولم يخلقهم هملًا ولا سُدًى ولا عبثًا، لكنه خلقهم لأمرٍ عظيمٍ، ولحكمةٍ عظيمةٍ فيها سعادتهم، وفيها نجاتهم، وهي أن يعبدوا الله وحده لا شريكَ له، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وهذه العبادة أمرهم الله بها في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وفي قوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، وفي قوله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وفي آيات كثيرة أمرهم فيها بالعبادة، وهي توحيده جلَّ وعلا بفعل أوامره، وترك نواهيه، هذه هي عبادته: توحيده سبحانه بالعبادة، وتخصيصه بها: من دعاءٍ وخوفٍ ورجاءٍ وتوكلٍ ورغبةٍ ورهبةٍ وصلاةٍ وصومٍ وغير ذلك. فهو المستحق للعبادة جلَّ وعلا دون كل ما سواه.

ويلتحق بذلك فعل الأوامر، وترك النَّواهي، فعل الأوامر التي أمر بها الله والرسول، وترك النَّواهي التي نهى عنها الله والرسول، كل هذا داخل في العبادة، وهذا هو الإسلام، العبادة التي خلقنا لها هي الإسلام، وهو الدين، وهو الإيمان، وهي الهدى، خلقنا لهذا الأمر: أن نعبد الله وحده، ونُسلم له، وننقاد له، ونُعظم أوامره ونواهيه، ونمتثل أوامره، وننتهي عن نواهيه، وأن نخصَّه بالعبادة دون كلِّ ما سواه: فلا تُصل إلا لله، ولا تذبح إلا له، ولا ننذر إلا لله، ولا نتوكل إلا عليه، إلى غير ذلك من العبادات، نخصّه بها ، إلا المخلوق الحي الحاضر؛ فلا بأس أن يُستعان به فيما يقدر عليه الحي الحاضر القادر، فهذا ليس بعبادةٍ، إذا استعنتَ به في حاجاتك قلت: يا أخي، ساعدني على إصلاح السيارة، على تعمير البيت، على كذا وكذا فيما هو مقدور، وهو حي يسمع كلامك، لا بأس، كما قال سبحانه في قصة موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]، فإنَّ موسى قادر على أن يُغيثه، وكما يتعاون الناس في أمور دنياهم وأمور دينهم، لا حرج في هذا.

أما دعاء الميت، ودعاء الغائب الذي لا يسمع كلامك، أو دعاء الصنم أو الجن أو الأشجار ونحوها؛ فهذا شرك المشركين، وهو الشرك الأكبر الذي قال الله فيه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].

فالله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملًا، بل أمرنا بتوحيده وطاعته وترك معصيته، ونهانا عن كلِّ ما نهى عنه ، وأرسل إلينا رسولًا بذلك، أرسل محمدًا عليه الصلاة والسلام بذلك، وأنزل عليه القرآن بذلك، هو أنزل القرآن لنستقيم على ما فيه من الهدى، ونعمل بما فيه من الأوامر، وننتهي عمَّا فيه من النَّواهي، على يد محمدٍ رسول الله ﷺ، خاتم الأنبياء، وجعل هذا النبي يُبين للناس دينهم، ويشرح لهم دينهم، ويُعلمهم ما جهلوا، وهو خاتم الأنبياء وإمامهم وأفضلهم عليه الصلاة والسلام، فمَن أطاع هذا الرسول واستقام على دينه فله الجنة، ومَن عصى هذا الرسول وحاد عن دينه فله النار، كما قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ يعني: شاهدًا بأعمالكم التي شاهدتها كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [المزمل:15]،فهو مرسل عليه الصلاة والسلام: فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [المزمل:16] أي: أخذ الله فرعون أخذًا وبيلًا في الدنيا بالغرق، وفي الآخرة بالنار.

هذه المسألة الأولى: تعلم يقينًا أنَّ الله هو الخالق الرازق، وأنه ربك وإلهك الحقّ، وأنه سبحانه هو على كل شيءٍ قدير، وبكل شيء عليم، وأنه لم يُهمل الناس، بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل إليهم الكتب؛ حتى يبين حقّه عليهم.

المسألة الثانية تحقيق للمسألة الأولى: أن تعلم أنَّ الله لا يرضى أن يُشرك معه أحدٌ في عبادته، كما أنه الخالق الرازق المحيي المميت، الذي خلقك وأعطاك النِّعَم، فهو سبحانه لا يرضى أن يُشرك معه أحدٌ من الناس، لا نبي مرسل، ولا ملك مُقرب، ولا غيرهما؛ لأنَّ العبادة حقّ الله وحده، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وكما قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، هذه المسألة الثانية؛ عليك أن تعلم أنَّ الله لا يرضى أبدًا أن يُشرك معه أحدٌ في عبادته: لا ملك مُقرَّب، ولا نبي مُرسل، بل نهى عن هذا، ويعتبر هذا أعظم الذنوب: الشرك بالله ، لما سُئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، هو أعظم الذنوب، قال تعالى: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، في آيات كثيرات فيها الأمر بالعبادة لله وحده، والنَّهي عن عبادة ما سواه ، فتجمع بين أمرين: فتُؤمن بأنَّ الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، وتُؤمن بأنَّه سبحانه هو المستحق للعبادة، وأنه لا يرضى أن تجعله مع العباد: لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، بل يجب أن تكون العبادةُ له وحده: من ذبحٍ وصلاةٍ وصومٍ، كل العبادة تكون لله وحده، ليس له شريك وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163].

المسألة الثالثة -وهي من أهم الواجبات عليك- أن يعلم كل مسلمٍ ومسلمةٍ أنه لا يجوز له أن يُوالي المشركين أو يُحبهم، فكل مَن أطاع الله ورسوله ووحَّد الله جلَّ وعلا، كل مسلمٍ يلزمه أن يُعادي الكفار ويبغضهم في الله، ولا يجوز له مُوالاتهم ومحبتهم؛ لقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] أي: لا تجد يا محمد قومًا أهل إيمانٍ صادقين يُوادُّون مَن حاد الله ورسوله.

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].

وقال سبحانه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4].

فلا بدَّ من البغضاء والعداوة لأعداء الله، ومودة المؤمنين، ومحبَّة المؤمنين، هكذا المؤمن: يُحب أولياء الله ويودهم ويتعاون معهم على الخير، ويكره أعداء الله ويبغضهم ويُعاديهم في الله، وإن دعاهم إلى الله، وإن أخذ منهم الجزية، لكن لا يُحبهم، بل يبغضهم في الله، وإن أقرَّهم في بلادهم، وأخذ الجزية ولي الأمر؛ لأنَّ الرسول ﷺ أخذ الجزيةَ من اليهود والنَّصارى والمجوس؛ لأنَّ أخذ الجزية منهم فيه عون للمسلمين، لا محبَّة لهم، عون للمسلمين ومساعدة للمسلمين في شؤونهم ...... الجزية، إلا أن يدخلوا في الإسلام، اليهود والنصارى خاصةً والمجوس إذا بذلوا الجزيةَ لا يُقاتلون، يقرون على الجزية، فإن أبوا الإسلامَ والجزيةَ قُوتلوا مع القُدرة حتى يدخلوا في الإسلام أو يُؤدوا الجزية، أما بقية الكفار فلا تُقبل منهم الجزية، بل يُقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام: كالوثنيين والشُّيوعيين وأشباههم.

فالمقصود أنَّ على المسلم ليس له موادة أعداء الله، بل يجب عليه أن يُعاديهم، وأن يبغضهم في الله، ولا تجوز موالاتهم، ولا محبتهم؛ لأنهم أعداء الله، خصومه؛ ولهذا قال الله: لَا تَجِدُ يا محمد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي: لا تجد أهل إيمانٍ صادقين يُوادونهم، وإن وجدتهم ففي إيمانهم نقص، وفي إيمانهم ضعف: وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ كتب يعني: أثبت الإيمان: وَأَيَّدَهُمْ قوَّاهم بِرُوحٍ مِنْهُ الروح يعني: بقوةٍ منه وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22]، حزب الله هم الذين والوا أولياء الله، وعادوا أعداء الله، واستقاموا على دين الله، هؤلاء هم حزب الله، أما مَن خالف الحقَّ وتابع المشركين ووالاهم فهو من حزب الشيطان: أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].

نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ: أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ -مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ- أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وَمَعْنَى يَعْبُدُون: يُوَحِّدُونَ.

وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ: التَّوْحيِدُ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ.

وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْه: الشِّركُ، وَهُوَ دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].

الشيخ: يقول الشيخُ رحمه الله، الشيخ الإمام أبو عبدالله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي، رحمه الله، وهو المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، المتوفى سنة 1206 من الهجرة رحمه الله، وقد بذل وسعه، وهكذا علماء الحقِّ الذين ساعدوه ونصروه بذلوا وسعهم في دعوة الناس إلى توحيد الله، وإرشاد الناس إلى ما خُلقوا له من طاعة الله وعبادته وتوحيده ..... تجديد الإسلام، تجديد معالمه، وإزالة آثار الشرك في هذه الجزيرة، ثم انتشرت الدَّعوة من هذه الجزيرة إلى ما حول العراق والشام ومصر والهند، إلى غير ذلك.

المقصود أنها دعوة عظيمة مباركة فيما يتعلق بتوحيد الله والإخلاص له، وترك الإشراك به ، وكان الشركُ قد انتشر في هذه الجزيرة بعبادة القبور، والبناء على القبور، وعبادة الأشجار والأحجار، إلا مَن رحم الله، فصبر رحمه الله في الدَّعوة إلى الله، وساعده مَن ساعده من دُعاة الهدى في توجيه الناس إلى الخير، وإرشادهم إلى توحيد الله وطاعته، وألَّف هذا الكتاب المسمى "ثلاثة الأصول"، وهو كتاب صغير، لكنه عظيم المعنى، عظيم الفائدة، كان يُدرس في المساجد، ويعلمه العامَّة حتى يتبصروا في أمر دينهم.

يقول رحمه الله: (اعلم أرشدك الله لطاعته)، جمع رحمه الله بين التَّعليم والدُّعاء. (أن الحنيفية -ملة إبراهيم- وهي أن تعبد الله مخلصًا له الدين)، وهي التي قال الله فيها لنبيه: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123]، فالحنيفية هي الملة التي فيها الإخلاص لله ومُوالاته، وترك الإشراك به سبحانه. والحنيف هو الذي أقبل على الله، وأعرض عمَّا سواه، وأخلص له العبادة؛ كإبراهيم وأتباعه، وهكذا الأنبياء وأتباعهم.

قال: وبذلك أمر اللهُ جميع الناس وخلقهم لها؛ فأمرهم بالتوحيد والإخلاص، وخلقهم ليعبدوه، وأمرهم أن يعبدوه وحده في صلاتهم، وصومهم، ودعائهم، وخوفهم، ورجائهم، وذبحهم، ونذرهم، وغير ذلك من أنواع العبادة، كله لله، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، هذه العبادة هي التي خلق لها الناس، خلق لها الثَّقلان، وهي توحيد الله، وطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] يعني: يُوحدوني في العبادة، ويخصّوني بها؛ بفعل الأوامر، وترك النَّواهي، قال رحمه الله: (ولذلك خلقهم)، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، العبادة هي توحيد الله، وهي طاعة الله.

وأعظم ما أمر الله به التوحيد، أعظم شيءٍ أمر الله به التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، وأعظم شيءٍ نهى عنه الشرك بالله ؛ ولهذا أكثر في القرآن... بتوحيد الله: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، 

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، إلى غير ذلك من الآيات التي أمرت بعبادة الله وحده، وتخصيصه بها جلَّ وعلا.

وأعظم ما أمر الله به التوحيد: وهو إفراد الله بالعبادة، هذا هو التوحيد: إفراد الله بالعبادة، تخصيصه بالعبادة دون كلِّ ما سواه، لا تعبد معه صنمًا، ولا نبيًّا، ولا ملكًا، ولا حجرًا، ولا جنيًّا، ولا غير ذلك، العبادة حقّ الله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، هذا هو التوحيد: إفراد الله بالعبادة.

والشرك: دعوة غيره معه، صرف بعض العبادة لغير الله، هذا هو الشرك الذي قال فيه سبحانه وتعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال فيه سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].

وفي "الصحيحين": أنَّ النبي ﷺ سُئل: أيُّ الذَّنْبِ أعظم؟ قال: أنْ تجعلَ لله نِدًّا وهو خلقك، قيل: ثم أيّ؟ قال: أن تقتلَ ولدَك خشيةَ أن يطعمَ معك، قيل: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك.

فبين ﷺ أنَّ الشرك أعظم الذنوب وأشدها وأخطرها.

وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟»، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله بدأ به وعقوق الوالدين، وشهادة الزور.

فالتوحيد هو إفراد الله بالعبادة. والشرك: هو دعوة غير الله مع الله؛ تدعوه، أو تخافه، أو ترجوه، أو تذبح له أو تنذر، أو غير ذلك من أنواع العبادة. هذا الشرك الأكبر، سواء كان المدعو نبيًّا، أو جنيًّا، أو شجرًا، أو حجرًا، أو غير ذلك، العبادة حقّ الله وحده؛ ولهذا قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، فـشَيْئًا نكرة في سياق النَّهي؛ فتعمّ كل شيءٍ، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].

وفَّق الله الجميع.

فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا؟

فَقُلْ: مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ، وَدِينَهُ، وَنَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ.

فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟

فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ، وَهُوَ مَعْبُودِي، لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وكل ما سِوَى اللهِ عَالَمٌ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَالَمِ.

الشيخ: قد سبق في كلام الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: أنَّ الحنيفية ملة إبراهيم التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي عبادة الله وحده، وإخلاص العبادة له جلَّ وعلا، هذه الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وتُخلص له الدِّين، ويكون الله سبحانه هو معبودك بدُعائك وخوفك ورجائك وصلاتك وصومك وذبحك ونذرك، هذه الحنيفية ملة إبراهيم، وهذا هو أصل الإسلام، وأساس الملة، وأصل دين الرسل جميعًا أن يعبدوا الله وحده دون كلِّ ما سواه ، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

تقدم أنَّ الناس خُلقوا لهذا، الثَّقلان خُلقوا لهذا، خُلقوا ليعبدوا الله وحده، ويُطيعوا أوامره، وينتهوا عن نواهيه، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فالجن والإنس خُلقوا ليعبدوا الله، وليُوحدوه، ويخصّوه بالعبادة، ليُطيعوا أوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند حدوده، وقد وعدهم على هذا النصر في الدنيا، والتوفيق والهداية والسَّعادة في الآخرة، والنَّجاة من النار.

والإنسان مسؤول عن أصولٍ ثلاثة تجمع الدينَ كله: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيك؟

هذه الأصول هي التي يُسأل عنها العبدُ في قبره، أول ما يُوضع في قبره يُسأل عن هذه الأصول الثلاثة: عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه عليه الصلاة والسلام، فإذا سألك السائلُ: مَن ربك؟ فقل: ربي الله الذي ربَّاني وربى جميع العالمين بنعمته، وهو معبودي، ليس لي معبود سواه. هذا رب الجميع، كما قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، والعالمون: جميع المخلوقات، كلهم عالمون: الجن والإنس والبهائم والجبال والأشجار كلها عالم، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فهو ربّ الجميع، له الخلق، وله الأمر، وهو المستحق بأن يُعبد؛ ولهذا قال: وهو معبودي، ليس لي معبود سواه.

والدليل قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يعني: الثناء كله لله، والعبادة من الثناء ومن الحمد.

وكل ما سوى الله عالم: من الجنِّ والإنس والحيوانات والجبال، كلها عوالم.

وأنا واحد من ذلك العالم: أنا الإنسان واحد من هذا العالم الذي خلقه الله وأوجده وغذاه بنعمه وأوجب عليه طاعته.

فعلى جميع العالمين من المكلفين -من الجن والإنس- أن يُطيعوا الله ورسوله ويُوحِّدوه جلَّ وعلا، وأن يعبدوه وحده، وهكذا الملائكةُ عليهم أن يعبدوا الله وحده؛ ولهذا قال تعالى عن الملائكة: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وقال تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۝ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:27- 28].

هكذا يجب على الثَّقلين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وحده دون كلِّ ما سواه، وأن يعرفوا أنَّ ربهم هو ربهم وخالقهم ومُوجدهم، وأن نبيهم محمدًا ﷺ الذي بعثه الله بدين الحقِّ؛ بعثه الله بالإسلام، وجعله خاتم الأنبياء، وجعل شريعته كاملةً عامةً للجن والإنس، عليك أن تُؤمن بهذا.

وعليك أن تؤمن بالأصل الثالث: وهو الإسلام، والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، الإسلام هو توحيد الله، والالتزام بأوامره، وترك نواهيه، فالله ربك، والإسلام دينك، وهو طاعة الله، والانقياد له، وإخلاص العبادة له وحده ، والتسليم لأوامره؛ تفعل المأمور، وتنتهي عن المنهي عنه، هذا هو الإسلام، مع إيمانك والشَّهادة بأنَّ محمدًا رسول الله عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء، وهو رسول الله إلى العامَّة: جميع الجن والإنس.

فعليك أن تُؤمن بهذا، وأن تُصدق بهذا، وأن تعمل بهذا: تعبد الله وحده، وتتبع رسوله محمدًا ﷺ، وتؤمن بأنَّ الله هو الخالق، ربك ومعبودك الحقّ ، ويأتي تفصيل هذا إن شاء الله.

وفَّق الله الجميع.

مداخلة: بسم الله الرحمن الرحيم، وردت إلينا بعضُ الأسئلة:

السؤال الأول: يقول السائل: سماحة الشيخ، دخلت جماعةٌ المسجد، وهي مُسافرة، فوجدت جماعةً أخرى تُصلي المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، ولم تُدرك معهم المغرب، وإنما أدركت معهم العشاء، سؤال: هل يجوز للجماعة الداخلة أن تُصلي معهم ركعتي العشاء، وتنوي بها المغرب، وتقضي بعد ذلك ركعةً ثالثةً، ثم يُصلون العشاء جماعةً وحدهم؟

ج: الأقرب أن يُصلي معهم العشاء من جنس المغرب، وإذا سلموا قاموا وأتوا بواحدةٍ كمال المغرب، ثم صلوا العشاء، وإن صلوا وحدهم كفى، لكن الأفضل حصول الجماعة ..... يُصلي معهم الجماعة، وإذا سلموا -سلَّم الأولون العشاء المقصورة- قام الآخرون وأتوا بركعةٍ؛ لأنهم دخلوا معهم بنية المغرب، ثم يُصلون العشاء بعد ذلك.

س: يعني: اختلاف النية ما يضرّ؟

ج: ما يضرّ، لا، ما يضرّ، الصحيح ما يضرّ.

س: هل يجوز أخذ المصحف من المسجد المكتوب عليه: "وقف لله تعالى" للتلاوة في البيت؟

ج: لا يأخذ المصحف، أوقاف المسجد تبقى للمسجد، مصاحف المسجد تبقى في المسجد، يقرأه في المسجد، ولا يأخذه من المسجد.

س: ما المراد بقوله ﷺ: مَن ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا بها طبع الله على قلبه؟ هل يدخل في هذا الوعيد مَن يتأخر حتى يخرج الإمامُ للخطبة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

ج: هذا ..... فاتته الجمعة ثلاث مرات بغير عذرٍ طبع على قلبه، وعيد شديد، وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: لينتهينَّ أقوام عن ودعهم الجمعات -يعني: تركهم الجمعات- أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكوننَّ من الغافلين رواه مسلم في الصحيح، وكما في الحديث: مَن ترك ثلاث جمعٍ بغير عذرٍ طُبع على قلبه، هذا وعيد عظيم، نسأل الله العافية.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Por favor, não spam aqui. Todos os comentários são revisados ​​pelo administrador.