المصحف المرتل

مقاصد الشريعة الإسلامية


مفهوم المقاصد:
يطلق مصطلح مقاصد الشريعة على الأهداف العامة التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في حياة الناس، ويطلق أيضاً على الأهداف الخاصة التي شرع لتحقيق كل منها حكم خاص.

أقسام المقاصد في الشريعة الإسلامية:
المقصد العام: هو تحقيق مصالح الخلق جميعاً في الدنيا والآخرة، ويتحقق هذا من خلال جملة أحكام الشريعة الإسلامية.

المقاصد الخاصة: هي الأهداف التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في مجال خاص من مجالات الحياة كالنظام الاقتصادي أو الأسري أو السياسي.. إلخ.. وذلك عن طريق الأحكام التفصيلية التي شرعت لكل مجال على حدة.

مراتب المصالح البشرية:
ومصالح الناس من حيث الأهمية على ثلاث مراتب:
أ- الضروريات:
و هي ما لا يستغني الناس عن وجودها بأي حال من الأحوال، ويأتي على رأسها الكليات الخمس كما سيأتي بيانه.

ب- الحاجيات:
وهي ما يحتاج الناس إليه لتحقيق مصالح هامة في حياتهم، يؤدي غيابها إلى المشقة واختلال النظام العام للحياة، دون زواله من أصوله، كما يظهر في تفصيلات أحكام البيوع والزواج وسائر المعاملات.

ج- التحسينيات:
وهي ما يتم بها اكتمال وتجميل أحوال الناس وتصرفاتهم، مثل الاعتناء بجمال الملبس وإعداد المأكل وجميع محاسن العادات في سلوك الناس.

الكليات الخمس:
اتفق أهل الأديان السماوية وعقلاء بني آدم على أن أهم ما يصلح به حال البشر حفظهم لأمور كلية خمسة، هي ما يطلق عليه الكليات الخمس (الدين، النفس، العقل النسل، المال ).

وقد جاءت شريعة الإسلام بأحكام وافية لحفظ هذه الضروريات الخمس سواء من حيث الوجود، إذ شرعت لها ما يحقق وجودها في المجتمع، أو من حيث البقاء والاستمرار بإنمائها وحمايتها من أسباب الفساد والزوال.

أولاً: حفظ الدين:
قدر الإسلام ما للدين من أهمية في حياة الإنسان حيث يلبي النزعة الإنسانية إلى عبادة الله، ولما يمد به الإنسان من وجدان وضمير، ولما يقوى في نفسه من عناصر الخير والفضيلة، وما يضفي على حياته من سعادة و طمأنينة.

نظرا لتلك الأسباب كلها كان الدين ضرورة حياة بالنسبة للإنسان، قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

و لذا يقول برجستون: (لقد وجدت - وتوجد - جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ولكن لم توجد قط جماعة بغير ديانة) ونظرا لتلك الاعتبارات حافظت شريعة الإسلام على الدين، سواء من حيث غرسه في النفوس وتعميقه فيها ابتداء، أو من حيث تدعيم أصله وتعهده بما ينميه ويحفظ بقاءه استمراراً ودواما، وشرعت لذلك الوسائل التالية:
أ- وسائل حفظ الدين من جانب الوجود:
من وسائل غرس الدين في النفوس ابتداء في الشريعة الإسلامية الوسائل التالية:
1- ترسيخ اليقين بأصول الإيمان وأركانه، وهي الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يقول الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285] ويقول تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدً ﴾ [النساء: 136].

2- إقامة هذا الإيمان على البرهان العقلي والحجة العلمية، ومن هنا كانت دعوة الإسلام إلى النظر و التدبر: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 185] وكان نعيه على أولئك الذين لا يتفكرون في الآيات المبثوثة في الكون ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف: 105] كما شن حملة شعواء على تقاليد الآباء وأخذ المعتقدات من غير نظر ولا برهان ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].

3- القيام بأصول العبادات وأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج، بعد النطق بالشهادتين فهذه العبادات من أهم أسرارها وحكمها أنها تصل العبد بربه وتوثق صلته به مما يرسخ أصل الإيمان في نفسه ويجدده، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ).

4- إيجاب الدعوة إلى الله وحمايتها وتوفير أسباب الأمن لحملتها ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104] ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125] ﴿ يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [لقمان: 17] ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾ [العلق: 9، 10] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10].

ب- وسائل المحافظة على الدين من جانب البقاء:
والمقصود بها الوسائل التي انتهجتها الشريعة في المحافظة على الدين بعد حصوله، لصيانته وإزالة العوائق من طريقه، وتزكيته في النفوس.

ومن هذه الوسائل:
1- كفالة حرية العقيدة والتدين وحمايتها فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه، ويسمح بتعايش مختلف الأديان داخل دياره وفي رحاب دولته، ويترك الحرية لأهل الأديان في عقائدهم وممارستهم التعبدية وتصرفاتهم المدنية كما قال صلى الله عليه وسلم:( لهم ما لنا و عليهم ما علينا) بل إن من أهداف الجهاد الإسلامي تأمين حرية الاعتقاد والتدين، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [الحج: 40].

2- تشريع الجهاد تمكينا للدين، ودرءً للعدوان وحماية للاعتقاد قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190] ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75].

3- الالتزام بتعاليم الدين وتطبيقها بعد القناعة بها، وبذلك تظل للدين حيويته في النفوس وأثره في الوجدان، ومن هنا قرن الإيمان والعمل الصالح في كثير من نصوص القرآن، إذ كثيرا ما يرد في القرآن: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة: 277].

4- تشريع عقوبة الردة، وذلك حتى يكون الإنسان جادا في اعتناقه للإسلام، وحتى لا يقدم على الإسلام إلا بعد قناعة تامة، فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه، بل إن الله لا يقبل من الدين إلا ما كان نابعا عن قناعة من صاحبه، فإذا دخله الشخص فمن المفروض أن يكون على قناعة بما اتخذ من قرار، فإذا ارتد بعد ذلك فمعنى ذلك أنه أحدث بلبلة فكرية وسياسية تضطرب بها أوضاع المجتمع، ويفقد استقراره الفكري والنفسي المنشود، كما قال تعالى مبينا دعوة المشركين إلى هذه السياسة: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72].

و نظرا لذلك شرعت عقوبة الردة: حماية لجدية الاعتقاد، وحرمة الدين.

5- إقامة سياج من الحاجيات والتحسينات كأداء الصلاة جماعة، كنوافل العبادات المختلفة وبكل هذه التشريعات يتأصل الدين، ويرسخ في نفس الإنسان وفي المجتمع، مما يحقق الأنس والسكينة، والخير للفرد والمجتمع.

ثانيا: حفظ النفس:
فمن ضروريات الحياة الإنسانية: عصمة النفس، وصون حق الحياة.

و قد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس:
- فمن جهة الوجود:
- شرع الزواج من أجل التناسل، والتكاثر وإيجاد النفوس لتعمر العالم، وتشكل بذرة الحياة الإنسانية في الجيل الخالف، وقد نوه الإسلام بالعلاقة المقدسة بين الزوجين واعتبرها آية من آيات الله ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

- أما من جهة الاستمرار و الدوام: فقد شرع عدة وسائل لحفظ النفس.

1- أوجب على الإنسان أن يمد نفسه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول للطعام والشراب وتوفير اللباس والمسكن، فيحرم على المسلم أن يمتنع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته.

كما اعتبر الحصول على هذه الضروريات هو الحد الأدنى الذي يلزم المجتمع ممثلا في الدولة بتوفيره للأفراد العاجزين عن توفيره لأنفسهم، بل أوجب على الإنسان -إذا وجد نفسه مهددة- أن يدفع عن نفسه الهلاك بأكل مال غيره بقدر الضرورة.

2- أوجب على الدولة إقامة الأجهزة الكفيلة بتوفير الأمن العام للأفراد، من قضاء و شرطة و غيرها، مما يحقق الأمن للمجتمع.

3- أوجب المحافظة على كرامة الآدمي بمنع القذف والسب، ومنع الحد من نشاط الإنسان من غير مبرر، و بهذا حمى حريات الفكر والعمل والرأي والإقامة والتنقل وكفلها قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].

4- تشريع الرخص بسبب الأعذار الموجبة للمشقة التي تلحق النفس فينشأ منها ضرر عليها، ومن ذلك: رخص الفطر في رمضان بسبب المرض والسفر، وقصر الصلاة في السفر.

5- حرم الإسلام قتل النفس سواء قتل الإنسان نفسه أم قتله غيره قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29] و شنع على هذه الجريمة فاعتبر قتل نفس واحدة: بمثابة قتل الناس جميعا، قال تعالى: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32] ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 151] ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93] وفي الحديث: (من قتل معاهداً لم يرح ريح الجنة ).

6- أوجب القصاص في القتل العمد، والدية و الكفارة في القتل خطأ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178] قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92].

7- إعلان الجهاد حفظا للنفوس وحماية للمستضعفين ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ﴾ [النساء: 75].

8- أوجب على المسلم إنقاذ من يتعرض للقتل ظلماً، أو يتعرض لخطر إن استطاع أن ينقذه.

9- كما شرع للإنسان أن يدفع عن نفسه إذا هاجمه من يريد الاعتداء عليه دون تحمل أية مسؤولية إذا مات المهاجم، وثبت أنه كان يريد الاعتداء عليه.

ثالثا: حفظ العقل:
للعقل في الإسلام أهمية كبرى فهو مناط المسؤولية، وبه كرم الإنسان و فضل على سائر المخلوقات، وتهيأ للقيام بالخلافة في الأرض وحمل الأمانة من عند الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ [الأحزاب: 72] ولهذه الأهمية الخاصة حافظ الإسلام على العقل وسن من التشريعات ما يضمن سلامته و حيويته و من ذلك:
1- أنه حرم كل ما من شأنه أن يؤثر على العقل ويضر به أو يعطل طاقته كالخمر و الحشيش وغيرها قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].

2- كما شرع العقوبة الرادعة على تناول المسكرات، وذلك لخطورتها وأثرها البالغ الضرر على الفرد و المجتمع.

3- أنه ربى العقل على روح الاستقلال في الفهم والنظر، واتباع البرهان ونبذ التقليد غير القائم على الحجة كما في قوله تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ [الأنبياء: 24] ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [المؤمنون: 117] ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111].

4- كما دعا إلى تنمية العقل ماديا ومعنويا: ماديا: بالغذاء الجيد الذي يقوي الجسم و ينشط الذهن، ومن هنا كره للقاضي أن يقضي وهو جائع، وفضل تقديم الطعام على الصلاة إذا حضرا معا.

أما معنويا: فبالتأكيد على طلب العلم واعتباره أساس الإيمان، قال تعالى:﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114] كما أتاح فرصة التعليم للجميع، وجعله حقا مشاعا بين أفراد المجتمع، بل جعل حدا أدنى منه واجبا على كل مسلم ومسلمة.

5- رفع مكانة العقل، وتكريم أولى العقول ففي أكثر من آية من القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18] ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190] ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

6- تحرير العقل من سلطان الخرافة وإطلاقه من إسار الأوهام، ومن هنا حرم الإسلام السحر و الكهانة و الشعوذة و غيرها من أساليب الدجل و الخرافة، كما أنه منع على العقل الخوض في الغيبيات من غير سلطان، أو علم يأتيه من الوحي المنزل على الأنبياء، و اعتبر ذلك مسببا في هدر طاقته من غير طائل قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [غافر: 56] من الشيطان الرجيم.

7- تدريب العقل على الاستدلال المثمر، والتعرف على الحقيقة، وذلك من خلال وسيلتين:
أ- الأولى: أنه وضع المنهج الصحيح للنظر العقلي المفيد لليقين، من هنا كانت دعوته إلى التثبيت قبل الاعتقاد، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾[الإسراء: 36] ﴿ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 15].

ب- الثانية: الدعوة إلى التدبر في نواميس الكون لاستكشافها، وتأمل ما فيها من دقة و ترابط، وإلى استخدام الاستقراء والتمحيص الدقيق من أجل الوصول إلى اليقين.

8- وجه الطاقة العقلية إلى استخلاص حكم التشريع وأسراره ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

9- كما وجهه إلى استخلاص الطاقات المادية في الكون، والاستفادة منها في بناء الحضارة ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾ [الملك: 15].

10- كما فتح له باب الاجتهاد في التشريع فيما لا نص فيه، وذلك في مجالين:
أ- معرفة و استخلاص المقاصد و الأهداف من النصوص و الأحكام الشرعية.

ب- استنباط الأحكام والتشريعات للحوادث المستجدة، وهو مجال واسع يستند إلى مبادئ عدة كالقياس والمصلحة، والاستحسان وغيرها.

رابعا: حفظ النسل:
و يراد به حفظ النوع الإنساني على الأرض بواسطة التناسل ذلك أن الإسلام يسعى إلى استمرار المسيرة الإنسانية على الأرض؛ حتى يأذن الله بفناء العالم ويرث الأرض ومن عليها.

ومن أجل تحقيق هذا المقصد شرع الإسلام المبادئ والتشريعات التالية:
1- شريعة الزواج: فقد شرع الإسلام الزواج ورغب فيه واعتبره الطريق الفطري النظيف الذي يلتقي فيه الرجل بالمرأة لا بدوافع غريزية محضة، ولكن بالإضافة إلى تلك الدوافع، يلتقيان من أجل تحقيق هدف سام نبيل هو حفظ النوع الإنساني، وابتغاء الذرية الصالحة التي تعمر العالم وتبني الحياة الإنسانية وتتسلم أعباء الخلافة في الأرض لتسلمها إلى من يخلف بعدها حتى يستمر العطاء الإنساني، وتزدهر الحضارة الإنسانية في ظل المبادئ النبيلة و القيم الفاضلة.

2- العناية بتربية النشء وتعميق روابط الألفة: ألزام الأبوين برعاية أولادهما والأنفاق عليهم؛ حتى يتحقق للأولاد الاستغناء عن نفقة الأبوين.

3- العناية بالأسرة وإقامتها على أسس سليمة: باعتبارها الحصن الذي يحتضن جيل المستقبل و يتربى فيه، فقد جعل الإسلام علاقة الزواج قائمة على الاختيار الحر والتراضي بين الطرفين، وعلى الانسجام والتشاور في كافة الشؤون بحيث تشيع روح المودة و التفاهم، وسعي كل من الزوجين في سعادة الآخر، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

4- إحاطة العلاقة بين الذكر والأنثى بمجموعة من المبادئ والآداب الأخلاقية: التي تضمن تحقيق الأهداف السامية لهذه العلاقة، وتستبعد الممارسات الفوضوية للعلاقات بين الجنسين، فعن طريق إيجاب غض بصر الذكر عن الأنثى والأنثى عن الذكر يقطع الإسلام الطريق على وسائل الإثارة في النفس البشرية، وبإيجاب اللباس الساتر بمواصفات خاصة يحارب التشريع أسباب الفتنه.

وفي غير حالات الضرورة القصوى يحرم على الرجل الاختلاء بالمرأة الأجنبية حتى وإن كانت ملتزمة باللباس الساتر، إلا بوجود أحد محارمها، وللبيوت في الإسلام حرمة عظيمة، حيث لا يجوز دخولها دون استئذان أصحابها والسلام عليهم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ [النور: 27].

وبالإضافة إلى هذه الآداب وغيرها يضع الإسلام الضوابط التي تنظم حالات اجتماع الرجال والنساء عند الحاجة.

5- تحريم الاعتداء على الأعراض: و لذا حرم الله الزنا كما حرم القذف، وحدد لكل منها عقوبة رادعة قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ [النور: 2] ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ﴾ [النور: 4].

خامسا: حفظ المال:
كما هو شأن الإسلام دائما مع النزعات الفطرية للإنسان حيث يبيح إشباعها ويلبي مطالبها ضمن الحدود المعقولة، مع التهذيب والترشيد حتى تستقيم وتحقق الخير للإنسان ولا تعود عليه بالشر، كان هذا شأنه مع نزعة حب التملك الأصلية في الإنسان، فقد أباح الملكية الفردية، وشرع في ذات الوقت من النظم و التدابير ما يتدارك الآثار الضارة التي قد تنجم عن طغيان هذه النزعة من فقدان للتوازن الاجتماعي، وتداول للمال بين فئة قليلة من المجتمع، ومن النظم التي وضعها لأجل ذلك نظم الزكاة و الإرث و الضمان الاجتماعي، ومن ثم اعتبر الإسلام المال ضرورة من ضروريات الحياة الإنسانية.

وشرع من التشريعات والتوجيهات ما يشجع على اكتسابه وتحصيله، ويكفل صيانته وحفظه و تنميته، وذلك على النحو التالي:
وسائل الحفاظ على المال إيجادا و تحصيلا:
1/ الحث على السعي لكسب الرزق، وتحصيل المعاش فقد حث الإسلام على كسب الأموال باعتبارها قوام الحياة الإنسانية، واعتبر السعي لكسب المال -إذا توفرت النية الصالحة وكان من الطرق المباحة- ضربا من ضروب العبادة، وطريقا للتقرب إلى الله قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾ [الملك: 15] وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾  [الجمعة: 10].

2/ أنه رفع منزلة العمل وأعلى من أقدار العمال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ).

وقرر حق العمل لكل إنسان، وجعل من واجب الدولة توفير العمل لمن لا يجده كما قرر كرامة العامل، وأوجب الوفاء بحقوقه المادية والمعنوية، يقول صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه) ويقول فيما يرويه عن ربه: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا ولم يوفه حقه ).

وقرر أن أجر العامل يجب أن يفي بحاجياته، قال صلى الله عليه وسلم:(من ولي لنا عملا و ليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة، فليتخذ زوجة أو ليس له مركب فليتخذ مركبا) و هذا ما يطلق عليه في العصر " الحديث بمبدأ " تحديد الحد الأدنى للأجور.

3/ إباحة المعاملات العادلة التي لا ظلم فيها ولا اعتداء على حقوق الآخرين، ومن أجل ذلك أقر الإسلام أنواعا من العقود كانت موجودة بعد أن نقاها مما كانت تحمله من الظلم، وذلك كالبيع والإجارة والرهن و الشركة وغيرها، وفتح المجال أمام ما تكشف عنه التجارب الاجتماعية من عقود شريطة أن لا تنطوي على الظلم أو الإجحاف بطرف من الأطراف، أو تكون من أكل أموال الناس بالباطل.

وسائل المحافظة على المال بقاء و استمرارا:
1/ ضبط التصرف في المال بحدود المصلحة العامة، ومن ثم حرم اكتساب المال بالوسائل غير المشروعة و التي تضر بالآخرين، ومنها الربا لما له من آثار تخل بالتوازن الاجتماعي، قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275] وقال: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188].

2/ كما حرم الاعتداء على مال الغير بالسرقة أو السطو أو التحايل، وشرع العقوبة على ذلك قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38].

وأوجب الضمان على من أتلف مال غيره قال صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله وعرضه ).

3/ منع إنفاق المال في الوجوه غير المشروعة، وحث على إنفاقه في سبل الخير، وذلك مبني على قاعدة من أهم قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي: وهي أن المال مال الله، وأن الفرد مستخلف فيه، ووكيل قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7] ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33] ومن ثم كان على صاحب المال أن يتصرف في ماله في حدود ما رسمه له الشرع، فلا يجوز أن يفتن بالمال فيطغى بسببه؛ لأن ذلك عامل فساد ودمار قال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16] ولا يجوز له أن يبذر في غير طائل قال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ [الإسراء: 26، 27].

4/ سن التشريعات الكفيلة بحفظ أموال القصر والذين لا يحسنون التصرف في أموالهم، من يتامى وصغار؛ حتى يبلغوا سن الرشد، ومن هنا شرع تنصيب الوصي عليه قال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6] و قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 220] ومن ذلك الحجر على البالغ إذا كان سيء التصرف في ماله قال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5].

5/ تنظيم التعامل المالي على أساس من الرضا والعدل، ومن ثم قرر الإسلام أن العقود لا تمضي على المتعاقدين إلا إذا كانت عن تراض وعدل و لذلك حرم القمار قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29].

6/ الدعوة إلى تنمية المال واستثماره حتى يؤدي وظيفته الاجتماعية، وبناء على ذلك حرم الإسلام حبس الأموال عن التداول وحارب ظاهرة الكنز قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34] و بهذه التشريعات كلها حفظ الإسلام المال وصانه عن الفساد؛ حتى يؤدي دوره كقيمة لا غنى عنها في حفظ نظام الحياة الإنسانية، وتحقيق أهدافها الحضارية والإنسانية، شأنه في ذلك شأن كل المصالح السابقة التي تمثل أساس الوجود الإنساني وقوام الحياة الإنسانية ومركز الحضارة البشرية، والتي بدون مراعاتها وحفظ نظامها يخرب العالم، وتستحيل الحياة الإنسانية، ويقف عطاؤها واستثمارها في هذا الوجود.

« الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق »

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Por favor, não spam aqui. Todos os comentários são revisados ​​pelo administrador.