الخطبة الأولى
الحمد لله القائل في محكم تنزيله مرشداً لعباده المكلفين: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي لا يحب المسرفين، ولا يصلح عمل المفسدين.
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم، عبد الله ورسوله الموصوف في الكتب المتقدمة بأنه: ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم يبعثون.
أما بعد: فيا أيها الناس:
أوصيكم ونفسي بالتقوى، والعمل لله تعالى بما يحب ويرضى، والحذر من كل ما يسخط ويأبى، والتوبة النصوح إلى الله من كل ما اقترف أحد وجنى، فإن تلكم معالم السعادة، وأبواب الربح والإفادة، ووسائل الفوز بالحسنى والزيادة، والعواصم من الفتن القواصم، التي تصيب من استخف بها أو استشرف لها حتى ينال منه الشيطان مراده. ألا وإن من يتحرى الخير يلقه، ومن يتوقى الشر يوقه، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].
أيها الناس:
إن من العادات القبيحة المحقرة، والظواهر الاجتماعية الخطرة، ظاهرة تعاطي التبغ بوسائل متنوعة، تلكم الظاهرة المشؤومة، ذات العواقب المهلكة المعلومة التي يهلك بشؤمها سنوياً ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين نفس على مستوى العالم، ناهيكم بما ينفق من مليارات العُمَل الدولية الرئيسية التي تنفق ثمناً لها وعلاجاً للأمراض المستعصية الناتجة عنها، والثروات التي تتلف بسببها، فهي منشأ الأضرار، وبؤرة الأمراض الكبار، وبوابة الأخطار، وربما وسم شاربها نفسه بسمة أهل النار.
أيها المسلمون:
التبغ نبات حشيشي مخدر، مر الطعم من الفصيلة الباذنجانية السامة، يحتوي على مواد سامة كثيرة، منها ثنتا عشرة مادة رئيسية في السم، من أشهرها النيكوتين، ومادة كبريتات الرصاص، وأوكسيد الكربون، وثاني أوكسيد الكربون، ومواد سامة أخرى، أدهشت الباحثين والأطباء المختصين، في تركيز سمومها، وبالغ إفسادها لخلايا جسم الإنسان، وسرعة بذرها ونشرها للأمراض المتلفة لسائر أجهزة الجسم الحيوية والوقائية. فلقد وقف المختصون بالبحوث والدراسات المختلفة والطب حيارى أمام ما تحدثه تلك المادة المشئومة حيث تؤدي بجملتها إلى الهلاك المبكر والعاجل، لمن فتن بتعاطي مادتها، أو ابتلي بطول مجالسة ومصاحبة من فتن بها.
أيها الناس:
مما توصل إليه الباحثون والأطباء المختصون بعلاج الأمراض الناشئة عن تعاطي مادة التبغ بواسطة التدخين للسجائر أو الغليون أو غيرها من الوسائل، أنه ينتج عن تعاطي تلك المادة أمراض مزمنة مميتة، من أشهرها وأكثرها وأخطرها مرض السرطان، وتليف الكبد، والفشل الكلوي، وتصلب الشرايين، والسعال المستمر، والذبحة الصدرية، والضعف المناعي بصفة عامة، ولقد اجتمعت التقارير الطبية المتعاقبة والتي تعتمد على الاختبارات والتجارب والتي صدرت عن جهات متخصصة مختلفة من العالم، وفي أزمان متباينة على أن تأثير التدخين على المجتمعات أخطر من تأثير الطاعون والكوليرا والحروب والحوادث الكوارثية والمرورية مجتمعة، كما أكدت نتائج تلك البحوث والدراسات والتقارير الطبية أن الوفيات الناتجة عن التدخين أكثر بكثير من الوفيات الناتجة عن الأمراض الوبائية مجتمعة، والوفيات الناتجة عن الحروب والجوائح التي تبتلى بها الأمم.
أيها المسلمون:
ومما توصلت إليه البحوث والدراسات المتنوعة لظاهرة انتشار التدخين، وشؤمها على المجتمعات الإنسانية، أن نسبة تسعة وتسعين في المئة من المدخنين مصابون بمرض الأنفسيما، ذلك المرض الرئوي الذي يهدم تركيب الرئة ويفقدها مقومات أدائها لوظيفتها، ويؤدي تدريجياً إلى صعوبة التنفس وما يعقبه من أخطار، كما أن نسبة تسعين بالمئة من المصابين بسرطان الرئة هم من المدخنين، كما قرروا من خلال الدراسات الدقيقة أن التدخين من أعظم أسباب النوبات القلبية الحادة المميتة، والجلطات الدموية المعيقة لأجهزة وأعضاء متعددة من البدن بحيث يكون الخيار البتر والاستئصال، أو الهلاك المحقق عادة.
أيها المسلمون:
ومما توصل إليه المهتمون بدراسة انتشار ظاهرة التدخين في العالم، وتطورات أمراض مرضى التدخين، أن التبغ يحتوي على مادة تسبب الإدمان على التدخين، وقد تزداد نسبة هذه المادة بواسطة التصنيع لأغراض اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، خصوصاً ما يصدر للبلاد الإسلامية، أو ما تسمى بالدول النامية، لضعف الرقابة أو عدمها، أو مراعاة قوة النفوذ أو لغير ذلك من الأهداف، مما يعني زيادة نسبة السموم والتسمم في المدمنين على التدخين، وأن معدل الوفيات بأمراض التدخين في المجتمع يرتفع بارتفاع عدد الأشخاص المدخنين، وعدد السجائر التي يدخنها المبتلى بالتدخين، وأن المدخن يقصم من عمره في السيجارة الواحدة خمس دقائق ونصف، أي نفس الوقت الذي يقضيه في تدخينها، كما أكدوا أن الكمية الموجودة في سيجارة واحدة من السموم كافية لقتل الإنسان لو أعطيت له من طريق الوريد، وأن خمس نقط منها كافية لقتل جمل، وأن التبغ يسمم الجسم كيفما كانت طريقة استعماله، وأن انتشار تدخين التبغ من أسباب تزايد الأمراض العقلية، والإصابة بالأمراض المخية الجنونية، والإصابة بالأوهام والوساوس، وضعف الذاكرة، ونقص التفكير، ونقص الذكاء، وغلبة المزاج العصبي، وحب التسلط لتأثير مواد التبغ على دماغ المدخن، كما قرر المختصون بمتابعة سلبيات التبغ والأمراض الناتجة عن تدخينه أنه من أكثر أسباب ضعف الطاقة الجنسية عند الرجال والنساء، ومن أعظم موجبات إجهاض الحمل وتشوه الأجنة، والخلل العقلي في المواليد.
أيها المؤمنون:
أما عن أضرار مادة التبغ المشؤومة وانتشارها في المجتمع على الاقتصاد، فقد استنزفت تلك المدة من مجتمعنا سنوياً ملياري ريال على الأقل، ولا يبعد أن ينفق المجتمع ضعف ذلك المبلغ أضعافاً مضاعفة لعلاج الأمراض الناتجة عنه، وآثار تلك الأمراض على المجتمع، كما أن التدخين وسوء تصرف المدخنين من العوامل الرئيسية المسببة للحرائق في البيوت والمتاجر والمستودعات ومحطات البنزين، وما ينتج عن ذلك من إزهاق الأرواح البريئة والجوائح المالية الباهظة، والتي لا تدخل تحت الحصر، فما أشأم! التدخين ومادته على المجتمعات، فكم أزهقت من أنفس؟ وكم أهدرت من ثروات؟ وكم عطلت من قوى عاملة؟ وكم جرت من بليات ومصيبات؟
أيها المؤمنون:
من محاسن دين الإسلام التي دل عليها كتاب الله تبارك وتعالى، وأكدتها سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليها السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وأئمة الهدى والدين وأتباعهم من عامة المسلمين أن الله تبارك وتعالى قد أحل لنا كل طيب نافع، وحرم علينا كل خبيث وضار، مادة أو كسباً أو كمية أو أثراً، رأفة بنا ورحمة لنا لا حرماناً ولا تضييقاً علينا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168،169]، وقال سبحانه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال جل ذكره: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله قد فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها)). فمما جاءت به واشتملت عليه الشريعة الإسلامية السمحاء حفظ الضروريات الخمس، التي هي: النفس والعقل والدين والعرض والمال، حيث حرمت تحريماً قطعياً كل قول أو فعل أو وسيلة أو مادة تضر بهذه الضرورات، وجعلت العقوبات الرادعة لكل من تلبس بشيء من ذلك في حق نفسه، أو حق غيره صيانة لهذه الضرورات، وتحقيقاً للحكمة من الحياة، وإسعاداً للمكلفين في الحياة وبعد الممات، ولما كانت مادة التبغ بجميع استعمالاتها وكافة وسائلها مضرة بالنفس والعقل والدين والعرض والمال والنسل، مفسدة لها، ومضيعة للحكمة منها، والغاية من خلق الإنسان وتكليفه كان تحريم تلك المادة بكافة استخداماتها في دين الإسلام أمراً جلياً، وحكماً حكيماً، وإجراءً وقائياً صرح محققو الفقهاء ومفاتي المذاهب الأربعة وغيرهم من أعلام الأمة، مستنيرين بالكتاب والسنة، وهدي السلف الصالح من الأمة بتحريم تلك المادة المشؤومة منذ وجدت تعاطيها، وتبينت أضرارها وأخطارها، لخبث مادتها وتفتيرها وتخديرها وسمومها وأضرارها لدخولها في عموم ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم به من تحريم الخبائث وتحريمه صلى الله عليه وسلم كل مسكر، ونهيه عن كل مخدر ومفتر، ولما فيها من إتلاف الأنفس والثمرات، والجناية على الآخرين والذريات، ودخول الإنفاق فيها في عموم التبذير والسرف، وكل هذه الأمور قد تواطأ الكتاب والسنة على ضورب الوعيد والتهديد الأكيد لمن تلبس بها أو أعان عليها.
معشر المؤمنين:
لقد سبق فقهاء الإسلام المنظمات الصحية، والهيئات الطبية، والجمعيات الإنسانية، ومراكز البحوث العالمية، في معرفة أضرار تلك المادة وأخطارها على دين الناس ونفوسهم، وأبدانهم وعقولهم، وأعراضهم ونسلهم وأموالهم، وإنها جماع الشر، وجالبة الإثم، فحرموها وحاربوها، وعزروا عليها، وهجروا أهلها، وحذروا المجتمعات من مادتها وأهلها قبل إدراك العالم لخطر تلك المادة بأكثر من أربع مئة سنة، ولم تشقى المجتمعات الإسلامية بشر تلك المادة إلا جعلت العلماء خلف واستقبلت وجه عدوها وزهدت في دينها، وأعجبت بمبادئ ونظم خصمها، فضعفت المعرفة والغيرة الدينية، وأوثرت الشهوات البهيمية، وسارت مجتمعات كثيرة من الأمة خلف ركاب الكافرين، وقلدت المغضوب عليهم والمجوس والضالين، واغترت بمظاهر الملحدين، وتلقفت نفايات وزبالات وشبهات العدو المبين. فاتقوا الله أيها المسلمون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون، وتفقهوا في الدين لعلكم تهتدون، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ولا تشاقوا الله والرسول، وتتبعوا غير سبيل المؤمنين إن كنتم تعقلون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 66-70].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه، وأنزل له من الهدى والبيان، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال ومصير أهل الضلالة، ونسأله سبحانه العافية والعصمة من درك الشقاء وسوء القضاء وعضال الداء وشماتة الأعداء، ونشكو إليه سبحانه ما نعانيه في هذا الزمان من متنوع الفتن، وتسلط الأعداء، وشؤم إتباع الشهوات، وتحكيم الأهواء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك وزد عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله اتقوا الله حق التقوى، واسألوه العافية من كل بلاء، واعتبروا بحال من عصى واعتدى، كيف نسيه الله وولاه ما تولى، وجعل سعيه فيما يضره، ويشمت به الأعداء ويحزن محبيه الرحماء.
أيها المسلمون:
لقد تواطأت بحوث الباحثين، ونتائج استبيانات المجربين، وتقارير الأطباء المختصين، ونتائج جهود المنتظمات الصحية، والجمعيات الإنسانية المعنية برصد ظاهرة انتشار استعمال مادة التبغ، وآثارها على المجتمعات الإنسانية تواطئاً يستحيل معه الاتفاق على الكذب أو المبالغة في التضخيم أو الدعاية ضد جهة، وخلاصة ما أثمرته هذه الجهود اليقين بأن التبغ عبارة عن مجموعة سموم فتاكة إذا نفذت إلى جسم الإنسان بأي وسيلة حولته إلى بؤرة أمراض خطيرة مستعصية مميتة، حتى توصلت إلى أنه يموت اثنان في العالم كل عشر ثوان بسبب التدخين وما ينتج عنه من أمراض، لأن ملي جرام من مادة النيكوتين الموجودة في التبغ كافية لقتل الإنسان فكيف إذا انضم إليها عدة سموم مع الإدمان، كذلكم فقد استنتجوا أن ضرر تدخين التبغ لا يقتصر على المدخن بل يتعداه إلى من يصاحبه ويتعرف لدخانه من والد أو زوجة أو ولد أو صديق حميم أو زميل في عمل أو جليس يطيل مجالسته، مما يوحي بأن المدخن جليس ثقيل لدى العقلاء من قريب أو بعيد، لأن مجالسته مصدر ضرر ومجلبة خطر.
أيها المسلمون:
كما أفادت البحوث الاجتماعية والأخلاقية بأن التدخين أوثق رابطة لصحبة قرناء السوء، وأن إدمانه والولع به أول خطوة إلى عالم الإدمان إلى عالم المخدرات، والدخول في قائمة المجانين، وأن افتتان المراهقين بالتدخين من أوسع الأبواب لانحرافهم واحترافهم للسرقة والفاحشة، لما يتطلبه الإدمان من تحصيل المادة بأن ثمن أو وسيلة حتى ولو كانت العرض الجريمة، ناهيكم بما نتج عنه من المشاكل الاجتماعية الهادمة للبيوت من كثرة الطلاق والعنف الأسري، ونشر الأمراض المستعصية في الأسرة إما عن طريق الاقتداء برب الأسرة المدخن في التدخين، أو بسبب نفثه دخانه الذي يحدث الأمراض في المصاحبين المبتلين به بولي أمر مفتون مدمن.
معشر المسلمين:
ومما يؤسف أن مستعمل التبغ بأي وسيلة من وسائل استعماله يتحول من إنسان كريم، وولي أمر رحيم، وصديق حميم، إلى قدوة سوء، وداعي إثم، وبائع مرض، ومصدر شر، وموزع ضرر، ولوحة دعائية لشركة تبغ يهودية أو نصرانية، يأثم مثل إثم كل من فتنه باستعماله، ويخدم العدو مجاناً، ويشهره ويكثر ماله بترويجه لإنتاج تلك الشركة من التبغ بإظهار استعماله والتعليم لوسيلته، فيتسبب في إذهاب دينه ودين غيره، وقتل نفسه وإهلاك غيره بالسم، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تحسى سماً فمات فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً))، وفي الحديث الآخر: ((من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة))، وفي الحديث الثالث: ((من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)). فمستعمل التبغ تدخيناً أو شيشة أو غير ذلك جليس سوء، وداعية ضلالة، وعاق لأبويه، وقاطع لرحمه، يجلب الضرر، ويسبب المرض، والموت المحقق إلى أحب الناس إليه، وأوجبهم حقاً عليه، فما أشأم! بليته، وما أعظم! مصيبته، وما أضر! صحبته، وما أثقل! مجلسه، وما أخطر! إساءته وأكثر أذيته لمن ينتظر إحسانه. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]، ويقول: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14].
ذلكم عباد الله: لأن المدخن عاص لله ورسوله، متعد لحدود الله، مؤذ لعباده، فعليه إثم معصيته وإثم مجاهرته، وإثم إصراره وإثم لتسببه في ضرر غيره، وإثم الدعاية والترويج للمواد السامة المهلكة، آثام بعضها فوق بعض إذا لم يتب ويعف الله فإنها تتراكم عليه فتركمه معها في نار جهنم مثوى الظالمين، لكن من تاب من بعد ظلمه وأصلح، فإن الله يتوب عليه ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، وإذا تاب الله على الإنسان صرف عنه شؤم المعصية، وعقوبتها وفضيحتها في الدنيا والآخرة، بل إن من ندم على خطيئته فإن الله يبدل سيئات حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
[ الشيخ عبد الله بن صالح القصير ]