عناصر الموضوع:
1- تعريفها.
2- مكانة الكلمة في الإسلام.
3- خصائص الكلمة الطيبة وفوائدها.
4- نماذج على الكلمة الطيبة.
الموضوع:
أولًا: تعريف الكلمة الطيبة:
• هي التي تسرُّ السامع، وتؤلف القلب.
• هي التي تُحدِث أثرًا طيبًا في نفوس الآخرين.
• هي التي تثمر عملًا صالحًا في كل وقت بإذن الله.
• هي التي تفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر.
ثانيًا: مكانة الكلمة:
أ- من القرآن:
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8]، وقال: ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28]، وقال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ﴾ [البقرة: 83]، وقال: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، وقال: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44].
قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 24، 25]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ﴾ [الحجرات: 11].
ب- من السُّنة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل لَيتكلَّمُ بالكلمة من رضوان الله ما كان يظنُّ أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب اللهُ له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلَّمُ بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه))؛ صحيح.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسولَ الله، أيُّ المسلمين أفضلُ؟ قال: ((مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده))؛ متفق عليه.
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يضمنْ لي ما بين لَحْيَيْه وما بين رجلَيْه، أضمنْ له الجنة))؛ رواه البخاري.
عن عقبةَ بنِ عامر قال: قلت: يا رسولَ الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسانَك، ولْيَسَعْك بيتُك، وابكِ على خطيئتك))؛ قال أبو حسن: هذا حديث حسن؛ تحقيق الألباني: صحيح؛ الصحيحة (888).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - رَفعه - قال: ((إذا أصبح ابنُ آدم، فإن الأعضاء كلَّها تكفر اللسان، فتقول: اتقِ اللهَ فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوجَجْت اعوججنا"؛ رواه الترمذي، وابن أبي الدنيا، وغيرهما، وقال الترمذي: رواه غير واحد عن حماد بن زيد، ولم يرفعوه، قال: وهو أصحُّ.
عن عدي بن حاتم قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النارَ، فأشاح بوجهه، وتعوَّذ منها - ذكر شعبة أنه فعله ثلاث مرات - ثم قال: ((اتقوا النارَ ولو بشقِّ التمرة، فإن لم تجدوا، فبكلمة طيبة)).
تحقيق الألباني: صحيح؛ ابن ماجه (185)؛ مختصر مسلم (535)؛ صحيح الجامع الصغير (115).
خصائص الكلمة الطيبة وفوائدها:
1- الكلمة الطيبة شعبة من شُعب الإيمان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه))؛ متفق عليه.
2- الكلمة الطيبة سِمَة المؤمنين الصادقين والدعاة وشعارهم:
﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الفتح: 26].
3- الكلمة الطيبة صدقة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سُلَامَى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقةٌ، وتعين الرجلَ في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعَه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة))؛ رواه البخاري ومسلم.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "الصدقةُ لا تختص بالمال، بل كلُّ ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعلَه يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل"؛ شرح رياض الصالحين 1/ 290.
4- أنها تؤلف بين القلوب، وتصلح النفوس، وتذهب الحزن، وتزيل الغضب، وتشعر بالرضا والسعادة، لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة:
فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة...))؛ السلسلة الصحيحة.
5- أنها توافق الشرع الحنيف:
فتدعو إلى ما يُعزِّز التوحيد، وينافي البدع والمنكرات، والشهوات والشبهات ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
6- بها يكون اجتماع الكلمة، وتآلف القلوب:
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].
فمما يتحقَّق به الردُّ الحسن: الكلمة الطيبة.
7- والكلمة الطيبة انتصار على الشيطان:
قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53]؛ أي: وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطُبِهم وتحاوُرِهم الكلامَ الحسن الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك، ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والخصام، إن الشيطان كان للإنسان عدوًّا ظاهرَ العداوة؛ فالشيطان حريص على إفساد ذات بيننا، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أَيِسَ أن يعبدَه المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم))؛ رواه مسلم، والتحريش: الإفساد بينهم، فمن ردَّ بالكلمة الطيبة أخزى الشيطان.
8- وبالكلمة الطيبة تتحقق المغفرة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من موجبات المغفرة: بذلَ السلام، وحسنَ الكلام))؛ السلسلة الصحيحة.
9- بها تكون النجاة من النار:
عن عديِّ بن حاتم قال: ذكرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم النارَ فأعرض وأشاح، ثم قال: ((اتقوا النار))، ثم أعرض وأشاح حتى ظننَّا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فمن لم يجد، فبكلمةٍ طيبة))؛ رواه البخاري ومسلم.
10- الكلمة الطيبة سبب دخول الجنة:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنة غرفة يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها))، فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: ((لمَن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا والناس نيام))؛ رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، حسن صحيح.
وعن المقدام بن شُرَيح عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنهم قال: قلت: يا رسولَ الله، حدثني بشيء يوجب لي الجنة، قال: ((موجبُ الجنة: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسنُ الكلام))؛ رواه الطبراني.
والجزاء من جنس العمل، فلما كانت الكلمة الطيبة سجيَّة لهم، دخلوا الجنة فلم يسمعوا فيها إلا الطيِّب الذي لا يؤذيهم، قال تعالى: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26]؛ أي: لا يسمعون في الجنة كلامًا لاغيًا؛ أي: غثًّا خاليًا عن المعنى، أو مشتملًا على معنى حقير أو ضعيف.
ولما كانت خمر الدنيا حاملةً على بذيء الكلام، قال تعالى في نعت خمر الآخرة: ﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ﴾ [الطور: 23].
11- تصعد إلى السماء:
فتفتَّح لها أبواب السماء، وتُقبل بإذن الله: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ [فاطر: 10].
12- إنها من هدايةِ الله وفضله للعبد:
قال تعالى: ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ [الحج: 24].
13- هل جزاء الإحسان إلا الإحسان:
انظر بماذا تجازى على كلمة تقولها في الذبِّ عن عرض أخيك المسلم؛ ففي الحديث: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ردَّ عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النارَ يوم القيامة))؛ قال الشيخ الألباني: (صحيح)؛ انظر: حديث رقم: 6262 في صحيح الجامع.
نماذج على الكلمة الطيبة:
1- الملائكة:
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33].
2- النبي صلى الله عليه وسلم:
﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 24 - 26].
3- عيسى عليه السلام:
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116].
4- نوح عليه السلام:
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ * وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [هود: 25 - 37].
5- عبدالله وصاحب النخلة:
مرَّ عبدالله ذات يوم وهو في طريقه للمسجد لأداء صلاة الظهر برجل صاعد على النخل، فناداه وأمره بالصلاة، فقال له خيرًا، فانشغل فناداه مرة أخرى، وقال له: أما سمعتَ الأذان؟ انزل يا حمار!
فما كان من الرجل إلا أن نزل، وما كان من عبدالله إلا أن حطَّ رجله وولَّى هاربًا، ثم جاء العصر ورأى الرجل على النخلة، فقال: لماذا لا أغيِّر أسلوبي معه؟ فناداه، وسلَّم عليه، وسأله عن أحواله، ثم قال له: لعلَّك لم تسمع صلاة العصر؟ فنزل وشكره، وقال له: لستَ مثل ذلك الحمار، الذي جاءني في صلاة الظهر!
وسبحان الله الرجل هو نفسه، ولكن الأسلوب تغيَّر؛ طبيعة النفوس تحب المدح.
6- رجل من أهل الجنة:
قال أنس ابن مالك رضي الله عنه: (كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيتُه من وضوئه، قد تعلَّق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تَبِعه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحَيْتُ أبي، فأقسمت لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي -وفي رواية: حتى تحلَّ يميني - فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يُحدِّث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يَرَه يقوم من الليل شيئًا، غيرَ أنه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه ذكر الله عز وجل، وكبَّر حتى يقومَ لصلاة الفجر (فيسبغ الوضوء)، قال عبدالله: غير أني لم أسمعْه يقول إلا خيرًا، فلما مضتِ الثلاث ليال، وكدتُ أن أحتقر عملَه، قلت: يا عبدالله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثَمَّ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ثلاثَ مرارٍ: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك؛ لأنظر ما عملك؛ فأقتديَ بك، فلم أرَك تعمل كثيرَ عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، فانصرفتُ عنه، قال: فلما ولَّيْتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجدُ في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا - وفي رواية: غلًّا - ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه.
فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق)؛ السلسلة الصحيحة.
7- بلقيس:
كانت بلقيس ملكةً كافرة لها عرش عظيم، وتسجد هي وقومُها للشمس من دون الله؛ لكنها مع هذا الكفر كانت صاحبةَ أدب ومنطق حسن، هذا الأدب يظهر جليًّا في وصفها للكتاب الذي ألقي إليها: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 29، 30]، فوصفتْ هذا الكتاب بأنه كريم.
فانظر بماذا عاد عليها هذا الأدبُ وحسن اختيار الألفاظ والعلم عند الله: ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44].
8- آسية امرأة فرعون:
وقفت في وجه زوجها الطاغية الذي أضنَاه البحثُ عن موسى، حتى إذا وقع بين يديه قالت لفرعون وملئه: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9]؛ فسَلِم رسول الله موسى عليه السلام بإذن الله، وتم أمر الرسالة وفق حكمة الله، وكان جزاء هذا المرأة أن ضربها الله مثلًا للذين آمنوا: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
9- الكلمة السيئة تعود على أهلها بالسوء والشر، قبل أن تعودَ على غيرهم وتؤثر في سواهم:
انظر ماذا قال اليهود - عليهم من الله ما يستحقُّون، وتعالى الله عما يقولون -: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64]، وانظر ماذا قال الله لهم: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ﴾ [المائدة: 64].
وقال بعض المنافقين في غزوة تبوك: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ﴾ [التوبة: 49]، فماذا كانت النتيجة؟ ﴿ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ﴾ [التوبة: 49].
فالحروف هي الحروف تستخدمها نفسها عند الكلام، فشتَّان بين من ألَّف بين حروفه، وجمع بين كلماته، وأخرج للكون كلمة طيبة نافعة، وطيبًا مطيَّبًا يعود أثرُه عليه، قبل أن يعود على غيره، وبين من ربط بين حروفه وكلماته برباط سوء؛ فكانت كلماته شرًّا مستطيرًا، وريحًا عقيمًا؛ يذوق شرَّها، وتلفحه سمومُها قبل أن تنال غيرَه.
اللهم وفِّقنا للطيب من القول، واصرفنا واصرف عنا سيئ الأقوال والأعمال والنيات.
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد
[ الشيخ : أحمد أبو عيد ]