الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله العلي العظيم، الجوادُ الكريم، جلَّ عن الشبيه والنَّظير، وتعالى عن المَثيل والظَّهير، أحمدُه - سبحانه - على سوابِغ نعمه، وأشكرُه على ما صرفَ من أسباب سخَطه ونِقَمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ توحيدٍ يأتي صاحبُها آمنًا يوم القيامة ويُحِلُّه بها ربُّه دارَ الكرامة، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله علَّمه ربُّه ما لم يكن يعلم، وجعلَ أمَّتَه خيرَ الأمم، صلَّى الله عليه وبارَك وسلَّم، وعلى آله الطيبين الطاهرين نالُوا بهذا الدين عِزًّا وسُلطانًا، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين كانوا على الحق والخير إخوانًا وأعوانًا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ممن إذا ذُكِّروا بآيات ربِّهم زادَتهم إيمانًا، ولم يخِرُّوا عليها صُمًّا وعُميانًا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -، واستعينوا بربِّكم على تصاريف المقادير، آثِروا في الله حُبَّكم، وارعَوا حقوقَه في دينِكم، ولا يعظُمُ في أعيُنكم كبيرٌ من المعروف تفعلونَه، ولا تحتقِروا صغيرًا من المُنكَر تقترفُونَه، واعتبِروا بمن مضى، وتفكَّروا في مُنصرَف الفريقين: فريقٍ في الجنة يحبُّه الله ويرضاه، وفريقٍ في السَّعير يُبغِضُه الله ويأباه،
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 101- 103].
أيها المسلمون:
حين يكونُ المُسلمُ الصالحُ في موقع المسؤوليَّة فهو الحارسُ الأمينُ - بإذن الله - لمُقدَّرات البلاد والعباد، يحفظُ الحقَّ، وينشُر العدل، ويُخلِصُ في العمل، ويُحافِظُ على مُكتسَبات الأمة. صاحبُ المسؤولية المُخلِصُ صالحٌ في نفسه مُصلِحٌ لغيره، يأمرُ بالصلاح، وينهى عن الفساد.
والإسلام قد جعلَ من الرَّقابة مسؤوليَّةً يتحمَّلُها الفردُ كما تتحمَّلُها الجماعة، وهذا هو الاحتِسابُ في بابِه الواسِع. فالاحتِسابُ بسَعته وشمُوله رَقابةً ومُراقبةً يحمِي الفردَ والمُجتمعَ والمُنشآت والدولة، يحميها - بإذن الله - من الفساد والإفساد، ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].
«من رأى منكم مُنكرًا فليُغيِّرهُ بيدِه، فإن لم يستطِع فبلِسانِه، فإن لم يستطِع فبقلبِه وذلك أضعفُ الإيمان».
﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].
وفي الحديث: «إن اللهَ لا يُعذِّبُ العامَّةَ بعملِ الخاصَّة، حتى يرَوا المُنكرَ بين ظهرانَيهم وهو قادِرون على أن يُنكِروه فلا يُنكِرونَه، فإذا فعلُوا ذلك عذَّبَ الله الخاصَّةَ والعامَّةَ».
معاشر المسلمين:
وظيفةُ الاحتِساب وظيفةٌ رقابيَّة في ميادين الأخلاق والدين والسياسة والاجتماع والإدارة والاقتصاد، وغيرها.
وقد قال أهلُ العلم: "إن الاحتِساب هو الأمرُ بالمعروف إذا ظهرَ تركُه، والنهيُ عن المُنكَر إذا ظهر فعلُ، تحقيقًا للعدل، ونشرًا للفضيلة، ومُكافحةً للفساد والرَّذيلة، وحمايةً للنَّزاهة والصلاح".
معاشر الإخوة:
الاحتِسابُ عملٌ رقابيٌّ توجيهيٌّ إرشاديٌّ لكل نشاطٍ مُجتمعيٍّ عامٍّ أو خاصٍّ؛ لتثبيتِ أصول الدين وأحكام الشرع، ومعايير الأخلاق، ورفع كفاءة الأداء كفاءةً وأداءً يتحقَّقُ به السلوك الرشيد، وتُعظَّمُ به المصلحةُ الفردية والاجتماعيَّة في الدنيا والآخرة.
إن العاملَ الصالحَ، والمُوظَّف الصالحَ، والمُواطِنَ الصالحَ بإيمانه بربِّه وبوازِعٍ من دينه يجتهِدُ في أداء عمله، ويحرِصُ على منع المُمارسات الخاطِئة، أو يكشِفُ عنها لمن يستطيعُ منعَها.
العاملُ الصالحُ عنده من الصدق في دينه، والأمانة في عمله، والولاء لمُجتمعه، والحِرص على المصلحة العامَّة ما يدفعُه إلى الإحسان وإلى الجدِّ وحُسن الإنتاجِ، وعدمِ الرِّضا بالفساد والانحِراف.
ذلكم - معاشر الأحبَّة - أن الفسادَ بكل أنواعه سلوكٌ مُنحرِفٌ في الأفراد وفي الفئات، يرتكِبُ صاحبُه مُخالفاتٍ من أجل أن يُحقِّقَ أطماعًا ماليَّةً غير شرعيَّة، أو مراتِبَ وظيفيَّة غيرَ مُستحقَّة، مما يُؤدِّي إلى الكسبِ الحرام، وإضعافِ كفاءة الأجهزة والمُؤسَّسات والمُنشآت.
الفسادُ منهجٌ مُنحرِفٌ مُتلوِّنٌ مُتفلِّتٌ مُتستِّرٌ، مُحاطٌ بالسريَّة والخوف، يدخلُ في كل مجالٍ: في الدين، وفي السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي الثقافة، وفي الإدارة.
الفسادُ تواطُؤٌ وابتِزازٌ، وتسهيلٌ لارتكِاب المُخالفات الممنوعة والمُمارسات الخاطِئة. الفسادُ استِغلالٌ مقيتٌ للإمكانات الشخصيَّة والرسميَّة والاجتماعية، يستهدِفُ تحقيقَ منافع غير شرعيَّة، ومكاسِب مُحرَّمة لنفسِه ولمن حولَه. سوءُ استِغلالٍ للسُّلطة والصلاحيَّة، في مُخالفةٍ للأحكام الشرعيَّة، والقِيَم الأخلاقيَّة، والأنظمَة المرعيَّة.
الفسادُ داءٌ مُمتدٌّ لا تحُدُّه حدودٌ، ولا تمنعُه فواصِلُ، يطَالُ المُجتمعات كلَّها مُتقدِّمها ومُتخلِّفها بدرجاتٍ مُتفاوِتة، وفي التنزيل العزيز: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].
معاشر المسلمين:
وكل انحرافٍ بالوظيفة العامَّة أو الخاصَّة عن مسارِها الذي وُضِعَت له ووُجِدت لخدمته فهو فسادٌ وجريمةٌ وخِيانةٌ. بالفساد تضطربُ الأولويات في برامج الدولة، وفي برامج الدول ومشاريعِها، وتُبدَّدُ موارِدُها، وتُستنزَفُ مصادِرُها.
بالفساد تتدنَّى مُستوى الخدمات العامَّة، وتتعثَّرُ مشارِيع، ويسُوءُ التنفيذ، وتضعُفُ الإنتاجيَّة، تُهدَرُ مصالحُ الناس، ويضعُفُ الاهتِمامُ بالعمل وقيمة الوقت، ويضطربُ تطبيقُ الأنظمة وعدالةُ المعايير.
الفساد يُؤدِّي إلى التغاضِي عن المخاطِر التي تلحَقُ الناسَ في مآكِلهم وفي مشاربِهم وفي مرافِقِهم الصحيَّة والتعليمية، وفي طُرقهم، وفي أنظِمة الأمان والحصول على الخدمات العامَّة.
الفسادُ يُزعزِعُ القِيَم الأخلاقيَّة القائمةَ على الصدق والأمانة والعدل وتكافُؤ الفرص وعدالة التوزيع، وينشُر السلبيَّة، وعدمَ الشعور بالمسؤولية، والنوايا السيئة، وينشُر الشعورَ بالظلم، مما يُؤدِّي إلى حالاتٍ من الاحتِقانِ والحِقدِ والتوتُّر والإحباط واليأسِ من الإصلاح.
الفسادُ يجعلُ المصالحَ الشخصيَّة تتحكَّمُ في القرارات، ويضعُفُ الولاءُ الصادقُ للحق وللأمة وللدولة، ويُعزِّزُ العصبيَّةَ المذمومة مذهبيَّةً أو قبَليَّةً أو حِزبيَّةً، فهو يُهدِّدُ الترابُط الأخلاقيَّ، وقِيَم المُجتمع الحميدة المُستقرَّة.
الفسادُ يُولِّدُ مُشكلاتٍ خطيرةً على استِقرار المُجتمعات وأمنِها وقِيَمها الأخلاقيَّة، وسيادة الأنظمة. الفسادُ يتواصَلُ مع أشكال الجريمة المُنظَّمة والجرائم الاقتصادية بما فيها ما يُعرَفُ بـ "غسيل الأموال".
الفسادُ يُعيقُ تطبيقَ الخُطط الصحيحة، والسياسات الإيجابيَّة، كما يُعرقِلُ جهودَ التغيير نحو الأفضل؛ بل إنه يُقوِّضُ الدولَ والمُؤسَّسات، ويُبعثِرُ الثَّروات، وينخَرُ في الإدارات، ويتناسَبُ طردًا مع الانحِرافات والمُنكَرات والأمراض المُجتمعيَّة والأخلاقيَّة.
معاشر الأحبَّة:
وللفساد مظاهرُ كثيرة، وصورٌ عديدة، ومسالكُ مُتنوِّعة؛ من الاختِلاس، والرِّشوة، وسوء استِخدام السُّلطة والصلاحيات، وإفشاء أسرار العمل، أو كِتمانِ معلوماتٍ حقُّها أن تكون معلومةً مُعلَنةً؛ سواءً في شأنٍ ماليٍّ أو وظيفيٍّ، والتزوير، والعبثُ بالوثائق والمُستندات والقرارات، وعدم احتِرام العمل وأوقات الدَّوام حُضورًا أو انصِرافًا، وضعف الإنجاز، والتشاغُل أثناء العمل بقراءاتٍ خارجيَّة، أو استِقبال من لا علاقةَ لهم بالعمل، والبحث عن منافِلَ وأعذارٍ، والتهرُّب من تنفيذِ الأنظِمة والتعليمات والتوجيهات، وعدمِ المُبالاة، والعُزوف عن المُشاركة الفاعِلة، والإسرافِ في استِخدامِ المالِ العام - ولو كان يسيرًا - في الأثاث والأدواتِ المكتبيَّة، والمُبالَغة في إقامةِ المُناسَبات، وسُوء توظيف الأموال، وإقامة مشارِيع وهميَّة، والعبَث بالمُناقَصات والمُواصَفات، في صُورٍ وأشكالٍ لا تقعُ تحت حصرٍ.
أيها المسلمون:
إذا كان الأمرُ كذلك؛ فلا بُدَّ من مُحاربة الفساد ومُكافحته، والتِزام الصلاح والإصلاح والنزاهة والشفافية، وذلك هو المِفتاحُ القائدُ - بإذن الله - لأسباب الخير والفلاح، والتوفيق والصلاح، والأمن والطمأنينة، وانتشار العدالة.
ومُحاربةُ الفساد ليست وظيفةً لجهةٍ مُعيَّنةٍ أو فِئةٍ خاصَّةٍ؛ بل هي مسؤوليَّةُ الجميع ديانةً وأمانةً وخُلُقًا ومسؤوليَّة.
النزاهةُ والعدالةُ في الإصلاح تحفَظُ هيبةَ الدول وكرامتَها وتُؤكِّدُ التلاحُم بينَها وبين مُواطِنيها، وتغرِسُ الثِّقةَ في الأجهزة والأنظمة. النزاهةُ تُعطِي قيادات الدول دفعًا أكبر في مُحاربة الفساد في جميع صُوره وأشكاله؛ إداريًّا وماليًّا وأخلاقيًّا.
مقاييسُ النزاهة هي: الديانة، والصدق، والعدالة، والوضوح والشفافية. في أجواء النَّزاهة تكونُ المُنافَسات النَّزيهة، والتنافُس الشريف على تقديم الأفضل والأجود والأنسَب.
أيها المسؤولون:
ومما يُعينُ على ذلك: تحديدُ مسؤوليَّات المُوظَّف، وإصدارُ الأدلَّة الإرشاديَّة، والتوعيَّة المُنظَّمة، وتبصيرُ الناس بحقوقِهم، وتشجيعُهم على المُساعَدة في كشفِ المُفسِدين.
ومما يُعينُ على ذلك كذلك: إصلاحُ أجهزة الرَّقابة، وتقويتُها، ودعمُها في كفاءاتها، وتبسيطُ أساليب العمل الإداريِّ، وتقويةُ الرَّقابة المُحاسبيَّة الإداريَّة والنظاميَّة والماليَّة، وسنُّ الأنظمة الصارِمة في مُواجَهة الفساد، وتطبيقُها بحزمٍ وعدالةٍ وحياديَّةٍ، والبُعدُ عن المُجاملات المُضعِفة، والعناية ببرامِج الإصلاح الإداريِّ ومنحُها الأولوية، وتوسيعُ دائرة تكافُؤ الفُرص والمُساواة على أساسِ معايير الجدارة والاستِحقاق، ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].
وغرسُ قِيَم الجدِّ في العمل، وحِفظُ الوقت، والتواصِي بالحقِّ، والتِزامُ الأخلاق؛ من الصِّدقِ، والأمانة، والإخلاص، وحُسن الظنِّ، بعد الإيمان بالله وصدقِ التعلُّق به والاعتِماد عليه، والاهتِمام بالمصلحة العامَّة، والشعور الحق بالمسؤوليَّة، وزرعُ الثِّقَة من الجميع، مع بثِّ أجواء حرية الرأي والمناقَشة والمُكاشَفة.
وبعدُ - حفِظكم الله -؛ فالخللُ ليس في الأنظمة والقوانين والنُّصوص، ولكنَّه في الإدارات والمُجتمعات والنفوس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله المُتفرِّد بكمال الذات، وجميل الصفات، لا إله إلا هو وسِعَ سمعُه جميعَ الأصوات، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه على سوابِغ نعَمه المُتوالِيات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تُبلِّغُ من رِضوانه أعلى الدرجات من الجنَّات، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه الهادي إلى الحقِّ والمُنقِذ - بإذن ربِّه - من الضلالات، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أُولِي الفضائل والمكرُمات، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما دامَت الأرضُ والسماوات، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون:
في حماية النَّزاهة وأهلِها ومُحارَبة الفساد ومُكافَحة المُفسِدين ليس الهدفُ محصورًا في البحث عن المُذنِبين والفاسِدين؛ بل يُضمُّ إلى ذلك ويتوازَى: إيجادُ الوعيِ الفعَّال بحجم الأضرار الناجِمة عن الفساد، وهي أضرارٌ دينيَّةٌ وسياسيَّةٌ وماليَّةٌ وأمنيَّةٌ وثقافيَّةٌ واجتماعيَّةٌ، في برامِج إصلاحٍ شاملةٍ، وتعاوُنٍ من الأجهزة كلِّها العامَّة والخاصَّة، ومُشاركة المُجتمع بكل مُؤسَّساته، وإعطاء الفُرص للاستِماع إلى آراء العامِلين ومُلاحظاتهم ومُقترحاتهم وشكاواهم ومُناقشاتهم.
وفي هذا البابِ للإعلام دورُه الفعَّال في نشر الوعيِ الصحيحِ، والمعلومات والحقائق، في تثبُّتٍ وتحرٍّ وحِياديَّةٍ ووقارٍ، وعدم التسرُّع في توجيه الاتهام للأفراد أو الجِهات، مع الثَّناء على ما يستحقُّ الثَّناء، والإشادة بالصالحين والشُّرفاء، وأصحاب الأداء الحسن والإيجابيَّة في العمل، وهم كثيرٌ في بلاد المُسلمين - ولله الحمد -، والحِفاظُ على العلاقات الطيبة والإيجابيَّة بين زُملاء العمل، والتعاوُن فيما بينهم، وتجنُّب تصيُّد الأخطاء وتتبُّعها، وتغليب حُسن الظنِّ.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، وأصلِحوا واعمَلوا صالحًا، ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال - وهو الصادقُ في قِيلِه - قولاً كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك سيِّدنا ونبيِّنا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وأبرِم لأمةِ الإسلام أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطاعة، ويُهدَى فيه أهلُ المعصية، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيءٍ قديرٌ.
عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكُروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.
[ الشيخ : صالح بن عبد الله بن حميد ]