المصحف المرتل

مقالات إيمانية : الإيمان والتوحيد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

[ مقالة عن الإيمان والتوحيد ]


الإيمان والتوحيد أساس الإسلام وجوهر العقيدة

الإيمان والتوحيد هما ركيزتان أساسيتان في الدين الإسلامي، لا يمكن فهم الإسلام من دونهما، وقد تختلف بعض الاختلاف.


أولا الإيمان :

الإيمان في اللغة يعني التصديق، أما في الاصطلاح الشرعي فهو التصديق الجازم بوجود الله تعالى، ووحدانيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، والتصديق بكل ما جاء به النبي محمد ﷺ من الأوامر والنواهي، وتصديق بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره لسورة الشعراء : " إن الإيمان هو التصديق المستلزم للقبول وللانقياد؛ قبول الخبر، والانقياد للأمر والنهي، هذا هو الإيمان، وأما مجرد أن الإنسان يقول: أنا مؤمن بالله، وأنا أعترف بأن الله موجود، وأن له رسلا، لكنه لا يعمل، فلا ينفعه هذا الإيمان؛ فالإيمان الذي ينفع هو ما ذكرت، وقد يطلق الإيمان لغة على مجرد التصديق، ويقال: هذا مؤمن بشيء، لكنه كافر بأشياء، فهذا ليس الإيمان الشرعي ".

أهل السنة والجماعة يعرّفون الإيمان بأنه قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي، هذا التعريف يجمع بين جوانب الإيمان المختلفة ولا يقتصر على جانب واحد، كلما زاد المسلم في طاعته لله، زاد إيمانه وقوي يقينه، وعلى العكس، كلما وقع في المعاصي، ضعف إيمانه، هذا المفهوم يدفع المسلم للحرص على فعل الخيرات والابتعاد عن السيئات، والأدلة من الكتاب والسنة كلها تُؤيد هذا، وتدل على أنَّ الإيمان يشمل قول القلب وقول اللسان، ويشمل عمل القلب والجوارح، وكلها تُسمَّى: إيمانًا، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: 2-4]. في هذه الآيات، جمع الله بين تصديق القلب (وجلت قلوبهم)، وقول اللسان (تلاوة الآيات)، وعمل الجوارح (يقيمون الصلاة، ينفقون).

وهكذا قول النبي ﷺ: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». (رواه مسلم).

هذا الحديث يدل على أن الإيمان يشمل أقوالًا (لا إله إلا الله)، وأعمالًا (إماطة الأذى)، وأحوالًا قلبية (الحياء)، حتى الصحابة أنفسهم كانوا يشعرون بزيادة إيمانهم ونقصانه، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه: «هلموا نؤمن ساعة»، أي نزيد إيماننا بذكر الله وطاعته.

فالمقصود أنَّ الإيمان يشمل كلَّ ما أمر الله بالتَّصديق به، ويشمل كلَّ ما نهى الله عنه إيمانًا بتحريمه والنَّهي عنه قال تعالى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة:143] يعني: صلاتكم، فهذا يعني أن الإيمان الحقيقي يظهر في أفعال الإنسان وسلوكه، فالمؤمن الصادق يسعى دائمًا إلى طاعة الله واجتناب معصيته.


ثانيا التوحيد :

التوحيد في اللغة يعني الوحدة، وهي الانفراد، ومعنى وحده توحيدا، أي جعله واحدا أما اصطلاحا يعني إفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له.

قال ابن القيم رحمه الله : " ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض- ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها، ومن عرف هذا عرف قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله ". ( رواه البخاري ومسلم ) ". [ مدارج السالكين : 1/339 ]

وهذا يتضمن الاعتقاد الجازم بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبر للكون إلا الله.


ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

 * توحيد الربوبية:

وهو الإيمان بأن الله هو الرب والمالك والخالق والمدبر لكل شيء، قال تعالى : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله }(يونس:31) هذا التوحيد يقر به معظم الناس، حتى المشركون في زمن النبي ﷺ كانوا يقرون بأن الله هو الخالق، وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله.


 * توحيد الألوهية:

ويسمى أيضًا توحيد العبادة، وهو أهم أقسام التوحيد وأساس دعوة الأنبياء جميعًا، توحيد الألوهية يعني إفراد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، فلا يُدعى غيره، ولا يُستغاث بغيره، ولا يُذبح لغيره، ولا يُنذر لغيره، ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}(محمد:19). وقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(النحل:36). وقوله: {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}(الأنبياء:108).. والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة، هذا هو التوحيد الذي يفرق بين المسلم والمشرك، وهو السبب الرئيسي لإرسال الرسل وإنزال الكتب.


 * توحيد الأسماء والصفات:

وهو الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه أو وصفه به رسوله ﷺ من الأسماء والصفات، دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل، وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين: الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم، كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء}(الشورى:11). والثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله، كما قال بعد قوله: {ليس كمثله شيء} قال: {وهو السميع البصير}(الشورى:11). مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}(طه:110)، فالإيمان بأن لله أسماء حسنى وصفات عليا تليق بجلاله وعظمته، لا تشبه صفات المخلوقين.


ثالثا العلاقة بين الإيمان والتوحيد :

الإيمان والتوحيد مرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاويه : " نعم تختلف بعض الاختلاف ولكنها ترجع إلى شيء واحد. التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، والإيمان هو الإيمان بأنه مستحق للعبادة، والإيمان بكل ما أخبر به سبحانه، فهو أشمل من كلمة التوحيد، التي هي مصدر وحد يوحد، يعني أفرد الله بالعبادة وخصه بها؛ لإيمانه بأنه سبحانه هو المستحق لها؛ لأنه الخلاق؛ لأنه الرزاق؛ ولأنه الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله؛ ولأنه مدبر الأمور والمتصرف فيها، فهو المستحق للعبادة، فالتوحيد هو إفراده بالعبادة ونفيها عما سواه، والإيمان أوسع من ذلك يدخل فيه توحيده والإخلاص له، ويدخل فيه تصديقه في كل ما أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام ".


فالإيمان والتوحيد هما اللذان يمنحان حياة المسلم معناها الحقيقي، هما الدافع وراء كل عمل صالح، وهما النور الذي يضيء طريق المؤمن في هذه الحياة، ويقودانه إلى الفلاح في الدنيا والآخرة.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Por favor, não spam aqui. Todos os comentários são revisados ​​pelo administrador.