المقدمة:
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإننا نعيش في زمانٍ كثرت فيه الفتن، ومن أخطر هذه الفتن: ظهور طائفة من الناس في الدول الإسلامية ينكرون وجود الله تعالى، ويسندون ما يحدث في هذا الكون إلى الطبيعة، أو إلى الصدفة، ويجهرون بذكر أدلتهم الواهية الباطلة على إنكار وجود الخالق العظيم في وسائل الإعلام، مستغلِّين ضعفَ عقيدة توحيد الله تعالى عند بعض المسلمين.
لقد رأى الملحدون الكثيرَ من آيات الله تعالى في الكون، وفي أنفسهم؛ من إحكامٍ ودقة في الخَلق؛ ما يشهد بوجوده، وأنه هو الخالق الحكيم؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]، ولكنهم آثروا الإنكار والجحود، مع يقينهم بوجود هذا الخالق العظيم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14]، فكان ذلك الجحود والإنكار نتيجة كِبرهم واستعلائهم، وسيطرة أهوائهم وشهواتهم على عقولهم وأفعالهم.
إننا لنعجَب ممن تجرأ على الله تعالى، وأنكر وجوده، بل وصار مبارزًا ومحاربًا له سبحانه بدعوته إلى مثل ذلك الاعتقاد الفاسد، ولو نظر ذلك الجاحد لوجود الله تعالى في نفسه، لعلم ضعف قوته، وحاجته إلى خالقه سبحانه، وخاصة وقت مرضه؛ من أجل ذلك أصبح من الواجب على أهل العلم التصدي، بكل قوة وحزم، لهذه الفرقة الضالة من الملحدين، الذين يريدون أن يشككوا المسلمين في عقيدتهم، وقد قمت في هذه الرسالة بالرد على الملحدين، الذين ينكرون وجود الله تعالى، بطريقة وأدلة عقلية علمية، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
صلاح نـجيب الدق
تعريف الإلحاد:
الإلحاد: يعني إنكار وجود الله تعالى، والقول بأن هذا الكون وُجِد صدفة، وبلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، وتغيرات الكون قد تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها، وسينتهي الكون كما بدأ، ولا توجد حياة بعد الموت؛ (الموسوعة الميسرة في الأديان جـ2 صـ803).
ويطلِق القرآن الكريم على المنكرين لوجود الله تعالى اسم (الدَّهْريَّة)، وفيهم قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24].
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يخبر تعالى عن قول الدَّهريَّة من الكفار ومَن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]؛ أي: ما ثَم إلا هذه الدار، يموت قومٌ ويعيش آخرون، وما ثَم معادٌ ولا قيامةٌ، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البداءة والرجعة، ويقوله الفلاسفة الدَّهريَّة الدورية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستةٍ وثلاثين ألف سنةٍ يعود كل شيءٍ إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مراتٍ لا تتناهى، فكابَروا المعقول، وكذبوا المنقول؛ ولهذا قالوا: ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24]، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]؛ أي: يتوهَّمون ويتخيَّلون؛ (تفسير ابن كثير جـ 12 صـ 363).
تعريف الدَّهريَّة:
جاء في (موسوعة المفاهيم) للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية:
الدَّهريَّة: مذهب كل من اعتقد في قِدَم الزمان والمادة والكون، وأنكر الألوهية والخَلْق، والعناية والبعث والحساب، كما يرون أن الموجب للحياة والموت هو طبائع الأشياء، وحركات الأفلاك، وهؤلاء الدَّهريَّة المنكرون للألوهية هم أقرب الكافرين من الملاحدة المعاصرين، كما يخبرنا القرآن الكريم عما سيدعيه بعض الدهريين بعد أربعة عشر قرنًا عن خلق الكون والإنسان من عدم، فيقول الحق عز وجل: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35]؛ (وهم الإلحاد ـ للدكتور عمرو شريف صـ: 17).
قوله سبحانه: ﴿ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾ [الطور: 35] هنا تعني: من غير مادة ومن غير سبب، كما تعني ﴿ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35] أن الشيء يخلق ذاته، وقد ادعى الملاحدة المعاصرون وقوع هاتين الفرضيتين المستحيلتين؛ (وهم الإلحاد ـ للدكتور عمرو شريف صـ: 18).
معنى الطبيعة:
الطبيعة: هي القوة الموجودة في الشيء، فتجري بها كيفيات ذلك الشيء على ما هي عليه؛ (الفصل في الملل لابن حزم جـ1 صـ20).
كيف دخل الإلحاد بلاد المسلمين؟
يمكن أن نوجز أسباب دخول ظاهرة الإلحاد إلى كثير من بلاد المسلمين فيما يلي:
(1) انحراف كثير من المسلمين عن دينهم، ونسيانهم حظًّا مما ذُكِّروا به، وإلا فإن الصبر والتقوى كفيلان بردِّ كل باطل.
(2) هزيمة العالم الإسلامي أمام غزو الدول الأوروبية، فما كاد الأوروبيون يمتلكون القوة المادية، ويستخدمون الآلة، ويبنون المصانع - حتى اتجهوا إلى الدول الإسلامية؛ بحثًا عن الأسواق لبيع منتجاتهم الصناعية، وجلبًا للمواد الخام اللازمة للصناعة، ولما كان العالم الإسلامي في غاية الضعف - اقتصاديًّا وعسكريًّا - لم يصمد أمام تلك الهجمة، وكان للهزيمة العسكرية أثرها في زعزعة العقيدة، ووجود الشعور بالنقص، وتقليد الأوروبيين، والتشبُّه بأخلاقهم؛ ظنًّا من بعض المسلمين ـ لشدة جهلهم ـ أن أوروبا لم تتطور إلا عندما أبعدت الدين عن الحياة.
(3) احتلال الدول الغربية لكثير من بلاد المسلمين؛ فلقد عانى المسلمون من الاستعمار وويلاته؛ حيث امتصت الدول الغربية دماء المسلمين، وخيراتهم، وأوطانهم.
(4) تركيز الدول الأوروبية على إفساد التعليم، والإعلام، والمرأة، وتشويه صورة علماء المسلمين، مع الحرص على نشر الفوضى الخُلقية، والإباحية؛ حيث غرق كثير من الشباب في هذا المستنقع الآسن، والإلحاد لا يظهر إلا في مثل هذا الجو.
(5) انتشار الجهل بدين الإسلام، وانتشار الخرافات بين المسلمين؛ فاستغل الملاحدة ذلك، ودخلوا من خلاله إلى الطعن في الدِّين.
(6) إرسال كثير من أبناء المسلمين إلى الدول الأوروبية لطلب العلوم المختلفة، وهم غير محصنين بالعقيدة الصحيحة، فعاشوا في تلك البلاد، وتأثروا بما فيها من أفكار وأخلاق، وربما رجعوا بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقدوا شهادة: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله.
(7) تقصير علماء المسلمين في جانب الدعوة إلى الله تعالى، وخاصة في جانب ترسيخ عقيدة توحيد الله تعالى.
(8) سقوط الخلافة الإسلامية.
(9) اهتمام كثير من المسلمين بملذات الدنيا، والركون إلى الراحة.
(رسائل محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة ـ صـ31: 29).
الآثار المترتبة على انتشار ظاهرة الإلحاد:
للإلحاد آثارٌ سيئةٌ على الأفراد والجماعات، يمكن أن نوجزها في الأمور التالية:
(1) كثرة انتشار القلق النفسي، والاضطراب، والحرمان من طمأنينة القلب وسكون النفس؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].
كيف لا يصيب الملاحدةَ الحزن والهم والقلق وفي داخل كل إنسان منهم أسئلة محيرة؟ مَن خلَق الحياة؟ وما نهايتها؟ وما سر هذه الروح التي لو خرجت لأصبح الإنسان جمادًا؟ مَن يجيب عن تلك التساؤلات؟!
وهذه الأسئلة قد تهدأ في بعض الأحيان بسبب مشاغل الحياة، إلا أنها ما تلبث أن تعود، وما نراه اليوم من كثرة إدمان المخدِّرات دليلٌ على ذلك.
(2) الأنانية والفردية؛ نظرًا لاشتغال كل فرد بنفسه؛ فلا رحمة ولا شفقة، ولا عطف ولا حنان، أين ذلك كلُّه من الرحمة في الإسلام ؟روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسِه))؛ (البخاري حديث: 13/ مسلم حديث: 45).
(3) حب الجريمة، وهذا لا يحتاج إلى دليل؛ فواقع الحياة في الغرب، ومعدَّلات السرقة والخطف - شاهدٌ على ذلك.
(4) هدم نظام الأسرة؛ وذلك أن الأسرة الملحدة تعيش في تفكُّك وضياع، وهذا يؤدي إلى فساد المجتمع.
(5) الرغبة في الانتحار؛ تخلُّصًا من الحياة، والغريب في الأمر أن أكثرية المنتحرين ليسوا من الفقراء حتى يقال بسبب فقرهم، بل من الأغنياء المترفين، ومن الأطباء، بل ومن الأطباء النفسانيين الذين يظن بهم أنهم يجلبون السعادة للناس! والغريب أن الانتحار في بعض بلدان الغرب له مؤيِّدون، وهناك كتب تُعِين الذين يريدون الانتحار، وتبين لهم الطرق المناسبة!
(6) إرادة الانتقام، والظمأ النفسي للتشفِّي من كل موجود، وانتشار الكراهية والبغضاء بين أفراد المجتمع.
(7) انعدام الثقة بين الناس؛ فكل شخصٍ يخاف مِن أقرب الناس إليه.
(الإلحاد ـ عبدالرحمن عبدالخالق صـ31: 18).
(رسائل محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة ـ: صـ33: 31).
أسباب انتشار الإلحاد في المجتمع المسلم:
(1) نشأة الشخص في بيتٍ خالٍ من آداب الإسلام ومبادئ هدايته، فلا يرى فيمن يقوم على أمر تربيته - مِن نحو: والدٍ أو أمٍّ أو أخ - استقامةً، ولا يتلقى عنه ما يطبعه على حب الدين، ويجعله على بصيرة من حكمته؛ فأقل شبهة تمس ذهن هذا الناشئ تنحدر به في هاوية الضلال.
(2) اتصال المسلم الضعيف النفس بملحدٍ يكون أقوى منه نفسًا وأبرع لسانًا، فيأخذه ببراعته إلى سوء العقيدة، ويفسد عليه أمر دينه، ومن هنا نرى الآباء الذين يُعنَوْن بتربية أبنائهم، تربيةَ الناصح الأمين، يحُولون بينهم وبين مخالطة فاسدي العقيدة، يخشَون أن تتنقل إليهم العدوى من تلك النفوس الخبيثة، فتخبث عقائدهم وأخلاقهم.
(3) قراءة الناشئ بعضًا من مؤلَّفات الملحدين وقد دسوا فيها سمومًا من الشبهات تحت ألفاظ براقة، فتضعف نفسه أمام هذه الألفاظ المنمقة، والشبهات المبهرجة، فلا يلبث أن يدخل في زمرة الملاحدة.
(4) تغلب الشهوات على نفس الرجل، فتريه أن المصلحة في إباحتها، وأن تحريم الله تعالى لهذه الشهوات خالٍ من كل حكمة، فيخرج من هذا الباب إلى الإلحاد؛ (الإلحاد ـ لشيخ الأزهر السابق/ محمد الخضر حسين ـ صـ11).
الرد على الملحدين:
سوف نذكر بعض الحقائق العلمية الموجودة في هذا الكون لنرد بها على الذين ينكرون وجود الله تعالى، فنقول وبالله تعالى التوفيق:
(1) الماء واحد والأرض واحدة والنبات مختلف:
نقول للذين ينكرون وجود الله تعالى: انظروا أيها العقلاء: ينزل المطر من السماء على الأرض، فيخرج منها أقوات وثمرات، مختلفة الألوان والطعوم والروائح، يعيش الإنسان عليها، وتخرج من الأرض أيضًا أعشابٌ وحشائش متنوعة تعيش عليها سائر الحيوانات.
(تفسير الرازي جـ3 صـ476).
نسألكم أيها العقلاء: هل الطبيعة هي التي جعلت الماء واحدًا والأرض واحدة والنباتات مختلفة الألوان والطعوم والروائح، أم أن هذه الأشياء أوجدت نفسها بنفسها؟!
نريد منكم جوابًا وكلمة حقٍّ، إن كنتم منصفين.
إن اختلاف النباتات في اللون والطعم والرائحة دليلٌ واضحٌ على وجود إله عظيمٍ، خالقٍ لهذا الكون، مستحقٍّ للعبادة وحده.
وصدق الخالقُ العظيم حيث يقول في كتابه العزيز: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 10، 11].
وقال سبحانه: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
(2) مراحل نمو الجنين في بطن أمه:
أثبَت علماء الطب الحديث أن تكوين الجنين في بطن أمه يمر بعدة مراحل متتابعة، بانتظام دقيق: فيكون أولًا نطفة، ثم تتحول إلى علقة، ثم تتحول إلى مضغة، تامة الخلقة أو غير تامة الخلقة، ثم تتكون بعد ذلك العظام، ثم تغطى باللحم حتى بدايات الحركة والحياة قبل الخروج إلى العالم؛ (كشاف الإعجاز العلمي للدكتور/ نبيل هارون صـ19: صـ20).
نقول للمنكرين لوجود الله تعالى:
هل الطبيعة أو الصدفة هي التي جعلت الجنين في بطن أمه يمر بهذه المراحل المختلفة قبل خروجه إلى الدنيا؟!
إن ثبوت هذه الحقيقة العلمية الباهرة دليلٌ واضحٌ لعقلاء العلماء الذين يعترفون بوجود خالق عظيم لهذا الكون.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ﴾ [الحج: 5].
(3) أغشية الجنين:
نقول للمنكرين لوجود الله تعالى:
أثبت علماء الطب الحديث أن الجنين في بطن أمة محاطٌ بثلاثة أغشية، وهذه الأغشية تظهر بالعين المجرد كأنها غشاء واحد، وهذه الأغشية هي التي تسمى: (1) المنباري، (2) الخوربون (3) الفائضي؛ (التبيان ـ للصابوني صـ 132: 131).
وبعد ثبوت هذه الحقيقة العلمية، نسأل الملحدين: هل الطبيعة أو الصدفة هي التي أحاطت الجنين بهذه الأغشية الثلاث؟!
إن العقلاء من العلماء يقولون: لا، إن وجود هذه الأغشية الثلاث حول الجنين دليلٌ واضحٌ على وجود الخالق العظيم، الذي خلَق كل شيء بحكمة بالغة.
قال سبحانه: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ﴾ [الزمر: 6].
(4) رؤية الله تعالى:
يقول المنكر لوجود الله تعالى: إذا كان الله موجودًا، فلماذا لا نراه كما نرى الشمسَ والقمر والجبال والبحار وغيرها؟!
ونحن نسأل هذا الملحد: هل لك رُوحٌ في جسدك، وعقل في رأسك؟! فلا بد للملحد أن يقول: نعم، إن لي رُوحًا في بدني، وعقلًا في رأسي، فإن كان هكذا، فهل رأيتَ رُوحك وعقلك؟ فسوف يقول: لا.
فهذا الملحد قد أقرَّ بوجود ما لم يرَه، واعترف بثبوت ما لم يشاهِدْه، وإنما أقر واعترف بوجود الروح والعقل؛ لظهور أثرهما، فإن كان الأمر هكذا، فلا بد له أن يعترف بوجود الله؛ لأن كل المخلوقات الموجودة في هذا الكون مِن آثار قدرته سبحانه، ودلائل عِلمه وحكمته.
إذا لم يستطِعْ هذا الإنسان الجاحد لوجود الله تعالى رؤيةَ رُوحه التي في جسده، فكيف يستطيع أن يرى الله تعالى الذي خلق هذه الرُّوح.
(5) لكل إنسان رائحة خاصة به:
أثبت الطب الحديث أن لكل إنسان رائحة خاصة به تميزه عن غيره من سائر البشر، من أجل ذلك تستخدم الشرطة الكلاب البوليسية في تعقُّب المجرمين.
نسألكم أيها الملحدون:
هل الطبيعة أو الصدفة هي التي جعلت لكل إنسان، من مليارات البشر، رائحةً خاصة به، بحيث لا تشبه رائحة إنسانٍ آخر؟!
ننتظر منكم جوابًا، فإن قلتم: نعم، الطبيعة هي التي جعلت لكل إنسان رائحة خاصة به.
قلنا لكم: لماذا لا تتكلم الطبيعة وتعلن أنها هي التي فعلت ذلك؟!
لقد أثبت القرآن الكريم هذه الحقيقة العلمية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وقد جعل سبحانه معرفة هذه الحقيقة كرامةً اختَصَّ بها نبيَّه يعقوب صلى الله عليه وسلم؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾ [يوسف: 94].
(كشاف الإعجاز العلمي لنبيل هارون صـ 31).
(6) لكل إنسان بصمات أصابع خاصة به:
يا من تنكرون وجود الله تعالى وتصدِّقون الاكتشافات العلمية، نقول لكم:
أثبت العلم الحديث عدم تشابُهِ بصمات إنسان مع بصمات إنسان آخر؛ ولذا فقد استخدمت الشرطة هذه البصمات في الكشف عن المجرمين؛ (التبيان للصابوني صـ 133: 132).
نسألكم يا من تنكرون وجود الله تعالى: هل الطبيعة أو الصدفة هي التي جعلت لكل إنسان، من مليارات البشر، بصمات لأصابعه خاصة به، بحيث لا تشبه بصمات إنسانٍ آخر؟! لماذا لا تتكلم الطبيعة وتعلن أنها هي التي فعلت ذلك؟!
إن عدم تشابه بصمات إنسان مع بصمات إنسان آخر دليلٌ واضح لكلِّ إنسانٍ عاقل على وجود خالقٍ عظيمٍ لهذا الإنسان.
وصدق الله تعالى حيث يقول في كتابه العزيز: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 4].
(7) الحيوان المنوي الذي يتكون منه الإنسان:
نقول للذين ينكرون وجود الله تعالى: إنكم تصدِّقون الاكتشافات العلمية، ولا شك في ذلك.
فنقول - وبالله تعالى التوفيق -: اكتشَف الطب الحديث أن هذا السائل من منيِّ الإنسان يحوي حيوانات صغيرة تسمى (الحيوانات المنوية)، وهي لا ترى بالعين المجردة، إنما ترى بالمجهر، وكل حيوان منها له رأس ورقبة وذيل، يشبه دودة العلق في شكلها ورسمها، وأن هذا الحيوان يختلط بالبويضة الأنثوية فيلقحها، فإذا ما تم اللقاح انطبق عنق الرحم فلم يدخل شيء بعده إلى الرحم، وأما بقية الحيوانات فتموت.
(التبيان في علوم القرآن للصابوني صـ132).
نسأل الذين ينكرون وجود الله تعالى: هل الطبيعة هي التي جعلت الحيوان المنوي يشبه العلق في الشكل والرسم؟!
لماذا لم تتكلم الطبيعة وتقُلْ: أنا التي فعلت ذلك؟!
إن وجود الحيوان المنوي، على هذه الصورة، لا يمكن أن يوجد صدفة، وإنما هو دليلٌ على وجود خالقٍ عظيمٍ قادرٍ على صُنع ذلك.
قال جل شأنه: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 1، 2].
وقال سبحانه: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الواقعة: 58، 59].
قال الإمام القرطبي (رحمه الله): قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ﴾ [الواقعة: 58]؛ أي: ما تصبُّونه من المنيِّ في أرحام النساء، ﴿ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ ﴾ [الواقعة: 59]؛ أي: تصوِّرون منه الإنسان، ﴿ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الواقعة: 59] المقدِّرون المصوِّرون؛ (تفسير القرطبي جـ17 صـ216).
(8) البعوضة:
نقول للذين ينكرون وجود الله تعالى:
اكتشف العلماء أن البعوضة لها مائة عین في رأسها، ولها في فمها ثمانية وأربعون سنَّة، ولها ثلاثة قلوب في جوفها بكل أقسامها، ولها ستة سكاكین في خرطومها، ولكل واحدة وظیفتها، ولها ثلاثة أجنحة في كل طرف، ومزودة بجهاز حراري يعمل مثل نظام الأشعة تحت الحمراء، وظیفته أن یعكس للبعوضة لون الجلد البشري في الظلمة إلى لون بنفسجي حتى تراه، والبعوضة مزودة أيضًا بجهاز تخدیر موضعي یساعدها على غرز إبرتها دون أن یحس الإنسان، وما یحس به الإنسان كالقَرْصة هو نتیجة مص الدم منه، والبعوضة مزودة أيضًا بجهاز تحلیل دم؛ فهي لا تستسیغ كل الدماء، ومزودة بجهاز لتمییع الدم حتى یسري في خرطومها الدقیق جدًّا، ومزودة بجهاز للشم تستطیع البعوضة من خلاله شم رائحة عرق الإنسان من مسافة تصل إلى كیلومتر؛ (موسوعة الرد على الملحدين ـ الدكتور هيثم طلعت ـ جـ1 سرور صـ60).
وهنا سؤال للملحدين الذين ينكرون وجود الله تعالى:
هل الطبيعة هي التي وضعت هذه الأجهزة داخل البعوضة؟!
فإذا أجبتم بـ: نعم، قلنا لكم: لماذا لم تخبرنا الطبيعة بذلك؟!
إن عقلاء العلماء يقولون: إن وجود هذه الأجهزة بهذه الطريقة الدقيقة، داخل هذه الحشرة الصغيرة، دليلٌ واضحٌ على وجود خالقٍ، حكيمٍ عظيمٍ، لهذا الكون الكبير.
وصدق الله تعالى حيث يقول في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 73، 74].
(9) الماء المالح لا يختلط بالماء العَذْب:
قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾ [الفرقان: 53].
نقول للذين ينكرون وجود الله تعالى: أنتم تصدقون الاكتشافات العلمية؟ سيقولون: نعم.
فنقول لهم: أثبت العلم الحديث استحالة اختلاط ماء البحر بماء النهر، وإلا كان مِلحًا أُجاجًا؛ وذلك بفضل خاصية الانتشار الغشائي (الأسموزي)، التي تدفع جزيئات الماء العذب إلى الانتشار داخل الماء المالح، وليس العكس، عبر السطح الفاصل بينهما (الحاجز أو البرزخ)، وفي هذا الصدد أيضًا تجدر الإشارة إلى معجزة بقاء ماء البحار والمحيطات دون تجمُّد؛ إذ يطفو الثلج المتجمد فوقها ليحفظ بقية الماء من التجمد، ويحفظ حياة الأسماك والأحياء البحرية، ولتستمر الملاحة فيه، ويرجع ذلك لخاصيةٍ وهَبها الله الماء دون سائر المواد الأخرى، إن كثافته تقل (لا تزيد كغيره) بالتجمُّد؛ (كثافة الثلج أقل من كثافة الماء السائل).
(كشاف الإعجاز العلمي للدكتور/ نبيل هارون صـ63، صـ64).
نقول للذين ينكرون وجود الله تعالى: هل الطبيعة هي التي فعلت ذلك؟!
لماذا لم تتكلم الطبيعة وتقُلْ: أنا التي منعت اختلاط ماء البحر المالح بماء النهر العَذْب؟!
سبحان الله! هذا الاكتشاف العلمي دليلٌ على وجود إلهٍ عظيمٍ قديرٍ خلَق ذلك الكون بحكمة بالغة.
(10) عسل النحل:
قال الله تعالى: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 68، 69].
النحل تتغذَّى على الأزهار، ويخرج من بطونها العسل، وهـو فضلات النحلة، مثلها مثل الإنسان، تخرج الفضلات، وهذا العسل الذي يخرج من بطون النحل يعتبر طعامًا ودواءً شافيًا، وهو مختلف الألوان، منه الأبيض والأصفر، والأحمر والأسود، وغير ذلك، بإثباتات علمية باتفاق العلماء جميعهم.
نسأل الذين ينكرون وجود الله تعالى سؤالًا: هل الطبيعة هي التي فعلت ذلك؟ وإذا كانت الإجابة بـ: نعم، نقول: هل يمكن أن يشارك الإنسان النحل فيأكل نفس الأزهار لينتج العسل؟ هل الصدفة هي التي فعلت ذلك؟
العقل السليم لا بد أن يعترف بوجود إله عظيم خلق المصانع والمصافي في بطون النحل؛ ليخرج من بطونها العسل الشافي الصافي.
(11) لبن الحيوانات:
قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾ [النحل: 66].
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يقول تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ فِي الْأَنْعَامِ ﴾ وهي: الإبل والبقر والغنم، ﴿ لَعِبْرَةً ﴾؛ أي: لآيةً ودلالةً على قدرة خالقها وحكمته ولُطفِه ورحمته، ﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ ﴾ وأفرد ها هنا الضمير عَوْدًا على معنى النَّعَم، أو الضمير عائدٌ على الحيوان؛ فإن الأنعام حيواناتٌ؛ أي: نسقيكم مما في بطن هذا الحيوان، وفي الآية الأخرى: ﴿ مِمَّا فِي بُطُونِهَا ﴾ [المؤمنون: 21]، ويجوز هذا وهذا.
وقوله: ﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا ﴾؛ أي: يتخلَّص الدمُ بياضه وطعمه وحلاوته من بين فرثٍ ودمٍ في باطن الحيوان، فيسري كلٌّ إلى موطنه، إذا نضج الغذاء في معدته، تصرف منه دمٌ إلى العروق، ولبنٌ إلى الضرع، وبولٌ إلى المثانة، ورَوثٌ إلى المخرج، وكل منها لا يشوب الآخر ولا يمازِجُه بعد انفصاله عنه، ولا يتغير به، وقوله: ﴿ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾؛ أي: لا يغَصُّ به أحدٌ؛ (تفسير ابن كثير جـ4 صـ580).
نسأل الذين ينكرون وجود الله تعالى:
مَن الذي خلق هذه المصفاة في بطون الإبل والأبقار والأغنام والماعز؟! هل هي الطبيعة أم الصدفة؟! ونحن نعلم أن الطبيعة لا ترى ولا تسمع ولا تنطق، وأنها ميتة، وإذا كانت غير ذلك لماذا لم تتكلم وتقُلْ: أنا خلقتُكم؟!
(12) سقف المنزل والأعمدة:
نقول للملحدين الذين ينكرون وجود الله تعالى:
أليس سقفُ المنزل يدل على وجود أعمدة أو قواعد في علم الهندسة المعمارية؟ سيقولون: نعم، فنسألهم السؤال التالي:
من الذي رفع السماء بدون أعمدة؟ هل الطبيعة أو الصدفة؟ ولماذا يُبنَى سقف المنزل بالأعمدة؟ أليس كما تقولون بالطبيعة أو الصدفة؟! إذا كان كذلك، يجب أن يكون السقف بلا أعمدة مثل السماء، أو تكون السماء بأعمدة مثل السقف، ولكن السماء بدون أعمدة.
فنقول للملحدين: الله تعالى هو الذي رفع السماء بقدرته من غير أعمدة، كما ترونها.
قال سبحانه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2].
(13) الكهرباء:
الكهرباء غير ملموسة ولا محسوسة، ولا يمكن رؤيتها، وضوء المصابيح يدل على وجود الكهرباء، وكل الأشياء التي تعمل بالكهرباء تدل عليها، وإذا لمسها الإنسان تعرَّض لصدمة كهربائية.
نسأل الذين ينكرون وجود الله تعالى: أتؤمنون بوجود الكهرباء، سيقولون: نعم، مع أنهم لم يروا الكهرباء، ولكنهم شاهدوا آثارها أمام أعينهم، فنقول لهم: اتفقنا نحن وأنتم على أن الأثَرَ يدل على المسير.
نقول لهم: أيها العقلاء، ألا يدل وجودُ السموات والأرض، وتتابُعُ الليل والنهار، ونزول المطر، والطيور التي تحلق بأجنحتها، والحيوانات التي تسير على الأرض، وهذه الجبال الرواسي، وغير ذلك من عجائب الكائنات - على وجود إلهٍ عظيمٍ قديرٍ قد خلق هذه الأشياء؟!
قال الله تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191].
(14) الطبيعة خالقة أم مخلوقة؟
نقول للملاحدة الذين يسندون وجود الأشياء إلى الطبيعة: هل هذه الطبيعة خالقة أم مخلوقه؟!
فإن قالوا: الطبيعة خالقةٌ للأشياء، نقول لهم:
لماذا لا تخلق هذه الطبيعة الآن جبالًا وأنهارًا وحدائق وكواكب جديدة؟!
ولماذا لا تخلق هذه الطبيعة الآن للناس زرعًا عند حاجتهم إليه؟!
وصدق الله تعالى حيث يقول في كتابه العزيز: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35].
• قال عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما: مِن غير ربٍّ؛ (تفسير البغوي جـ7 صـ392).
• قال أبو سليمان الخطابي (رحمه الله): معناه: أخُلِقوا من غير شيءٍ خلَقهم، فوُجدوا بلا خالقٍ؟ وذلك مما لا يجوز أن يكون؛ لأن تعلُّق الخَلق بالخالق من ضرورة الاسم، فإن أنكروا الخالق لم يجُزْ أن يوجدوا بلا خالقٍ، {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لأنفسهم، وذلك في البطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإذا بطَل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقًا، فليؤمنوا به؛ (تفسير البغوي جـ7 صـ392).
(15) هل الكائنات هي التي أوجدت نفسها؟
سؤال هام للذين ينكرون وجود الله تعالى: هل الكائنات هي التي أوجدت نفسها؟
فإن قال أحد الملحدين: نعم، الكائنات هي التي أوجدت نفسها.
قلنا: هذا مستحيلٌ عقلًا؛ لأن هذه الكائنات في أصلها كانت عدَمًا ثم أنشئت، فكيف تكون موجودة وهي معدومة؟ والمعدوم ليس بشيء، فهي لا يمكن أن توجِد نفسها؛ لأنها في الأصل معدومة، والمعدوم لا يوجد نفسه، فكيف يوجد غيره؟
فإن قال أحد الملحدين: هذه الكائنات وجدت هكذا صدفة.
قلنا: هذا يستحيل عقلًا أيضًا، فهل ما أنتج من الطائرات والسفن العملاقة والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها وُجد صدفة؟ فلا بد أن يقول الملحد: لا يمكن أن يكون ذلك، قلنا: وكذلك هذه الجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة كذلك، ولا يتصور أن هذا التقدم الحضاري الذي يمر به العالم الآن وُجد هكذا صدفة.
(16) الإمام جعفر الصادق:
أنكر بعض الملاحدة وجود الله تعالى عند جعفرٍ الصادق (رحمه الله)، فقال له جعفرٌ: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: هل رأيت أهواله؟ قال: نعم، هاجت يومًا رياحٌ هائلةٌ، فكسرت السفن، وغرَّقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، ثم ذهب عني ذلك اللوح، فإذا أنا مدفوعٌ في تلاطم الأمواج حتى دفعت إلى الساحل، فقال جعفرٌ: قد كان اعتمادك من قبل على السفينة والملاح، ثم على اللوح حتى تنجيك، فلما ذهبت هذه الأشياء عنك: هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟ قال: بل رجوت السلامة، قال: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفرٌ: إن الصانع هو الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، وهو الذي أنجاك من الغرق، فأسلَم الرجل على يده؛ (تفسير الرازي جـ2 صـ333).
(17) الإمام أبو حنيفة:
سأل بعض الملاحدة الإمام أبا حنيفة (رحمه الله) عن وجود الباري تعالى، فقال لهم دعوني؛ فإني مفكرٌ في أمرٍ قد أخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينةً في البحر فيها أنواعٌ من المتاجر، وليس بها أحدٌ يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها، وتخترق الأمواج العظام حتى تخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحدٌ، فقالوا: هذا شيءٌ لا يقوله عاقلٌ، فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانعٌ؟ فبُهِت القوم ورجعوا إلى الحق، وأسلموا على يديه؛ (تفسير الرازي جـ2 صـ333)، (معارج القبول لحافظ حكمي جـ1 صـ78).
(18) الإمام مالك بن أنس:
سأل الخليفة هارون الرشيد (رحمه الله) الإمام مالك بن أنس (رحمه الله) عن بعض آيات وجود الله؛ ليرد بها على الذين ينكرون وجود الله تعالى، فاستدل له الإمام مالكٌ باختلاف اللغات والأصوات والنغمات؛ (تفسير الرازي جـ2 صـ334)، (معارج القبول لحافظ حكمي جـ1صـ78).
(19) الإمام الشافعي:
سأل بعض الملاحدة الإمام الشافعي (رحمه الله): ما الدليل على وجود الصانع (الله تعالى)؟ فقال: ورقة التوت، طعمها ولونها وريحها وطبعها واحدٌ عندكم؟ قالوا: نعم، قال: فتأكلها دودة القز فيخرج منها الحرير، والنحل فيخرج منها العسل، والشاة فيخرج منها البعر، ويأكلها الظباء فينعقد في نوافجها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحدٌ؟ فاستحسنوا منه ذلك، وأسلموا على يده، وكان عددهم سبعة عشر؛ (تفسير الرازي جـ2 صـ333)، (معارج القبول لحافظ حكمي جـ1 صـ78).
(20) الإمام أحمد بن حنبل:
سئل الإمام أحمد بن حنبلٍ (رحمه الله) عن وجود الله تعالى، فقال: ها هنا حصنٌ حصينٌ أملس، ليس له بابٌ ولا منفذٌ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز، فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره، فخرج منه حيوانٌ سميعٌ بصيرٌ ذو شكلٍ حسنٍ وصوتٍ مليحٍ، يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الديك؛ (معارج القبول لحافظ حكمي جـ1صـ78).
(21) الإمام الفخر الرازي:
قال الإمام الفخر الرازي (رحمه الله): إن كل أحدٍ من الناس يعلم بالضرورة أنه ما كان موجودًا قبل ذلك، وأنه صار الآن موجودًا، وأن كل ما وجد بعد العدم فلا بد له من موجِدٍ، وذلك الموجد ليس هو نفسه، ولا الأبوان، ولا سائر الناس؛ لأن عجز الخلق عن مثل هذا التركيب معلومٌ بالضرورة، فلا بد من موجِدٍ يخالف هذه الموجودات حتى يصح منه إيجادُ هذه الأشخاص؛ (تفسير الرازي جـ2 صـ333).
(22) التأمل في خلق الإنسان:
قال الله تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].
• قال السائب بن شريكٍ (رحمه الله): يأكل الإنسانُ ويشرب من مكانٍ واحدٍ، ويُخرج من مكانين، ولو شرب لبنًا محضًا لخرج منه الماء ومنه الغائط، فتلك الآية في النفسِ.
• قال ابن زيدٍ (رحمه الله): المعنى أنه خلقكم من ترابٍ، وجعل لكم السمعَ والأبصار والأفئدة ﴿ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ [الروم: 20].
• قال السُّديُّ (رحمه الله): ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ [الذاريات: 21]؛ أي: في حياتكم وموتكم، وفيما يدخُل ويخرُج مِن طعامكم.
• قال الحسن البصري (رحمه الله): وفي الهَرَمِ بعد الشباب، والضعف بعد القوة، والشَّيب بعد السواد؛ (تفسير القرطبي جـ17 صـ39).
• قال الإمام القرطبي (رحمه الله): وقيل: المعنى: وفي خلق أنفسكم من نطفةٍ وعلقةٍ ومضغةٍ ولحمٍ وعظمٍ إلى نفخ الروح، وفي اختلاف الألسنة والألوان والصور، إلى غير ذلك من الآيات الباطنة والظاهرة، وحسبُك بالقلوب وما ركز فيها من العقول، وما خُصَّت به من أنواع المعاني والفنون، وبالألسن والنُّطق ومخارج الحروف والأبصار والأطراف وسائر الجوارح، وتأَتِّيها لما خُلقت له، وما سوَّى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثنِّي، وأنه إذا تيبَّس شيءٌ منها جاء العجز؛ ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]؛ (تفسير القرطبي جـ17 صـ39).
• قال الإمام ابن القيم (رحمه الله) - مخاطبًا كل إنسان -: ارجع الآن إلى نفسك، وكرر النظر فيك؛ فهو يكفيك، وتأمَّل أعضاءك، وتقدير كل عضو منها للمنفعة والأرب المهيأ لها؛ فاليدانِ للعلاج والبطش، والأخذ والإعطاء، والمحاربة والدفع، والرِّجلان لحمل البدن، والسعي والركوب، وانتصاف القامة، والعينان للاهتداء والجمال، والزينة والملاحة، ورؤية ما في السموات والأرض وآياتهما وعجائبهما، والفم للغذاء والكلام والجمال، وغير ذلك، والأنف للنَّفَس وإخراج فضلات الدماغ، وزينة للوجه، واللسان للبيان والترجمة عنك، والأذنان صاحبتا الأخبار، تؤديانها إليك، واللسان يبلِّغ عنك، والمعِدة خزانة يستقر فيها الغذاء، فتُنضجه وتطبخه، وتصلحه إصلاحًا آخرَ وطبخًا آخر غير الإصلاح والطبخ الذي توليته من خارج، فأنت تعاني إنضاجه وطبخه وإصلاحه حتى تظن أنه قد كمل، وأنه قد استغنى عن طبخٍ آخر وإنضاجٍ آخر، وطبَّاخه الداخل ومُنضِجه يعاني من نضجه وطبخه ما لا تهتدي إليه، ولا تقدر عليه؛ فهو يوقد عليه نيرانًا تُذيب الحصى، وتذيب ما لا تذيبه النار، وهي في ألطف موضع منك، لا تحرقك ولا تلتهب، وهي أشد حرارة من النار، وإلا فما يذيب هذه الأطعمة الغليظة الشديدة جدًّا حتى يجعلها ماءً ذائبًا، وجعل الكبِد للتخليص وأخذِ صفو الغذاء وألطفه، ثم رتب منها مجاريَ وطرقًا يسوق بها الغذاء إلى كل عضو وعظم وعصب ولحم وشعر وظُفر، وجعل المنازل والأبواب لإدخال ما ينفعك وإخراج ما يضرك، وجعل الأوعية المختلفة خزائن تحفظ مادة حياتك؛ فهذه خزانة للطعام، وهذه خزانة للحرارة، وهذه خزائن للدم، وجعل منها خزائن مؤديات؛ لئلا تختلط بالخزائن الأخر، فجعل خزائن للمرة السوداء، وأخرى للمرة الصفراء، وأخرى للبول، وأخرى للمني؟! فتأمل حال الطعام في وصوله إلى المعدة وكيف يسري منها في البدن! فإنه إذا استقر فيها اشتملت عليه وانضمت، فتطبخه وتجيد صنعته، ثم تبعثه إلى الكبد في مجارٍ دقاقٍ، وقد جعل بين الكبد وبين تلك المجاري غشاءً رقيقًا كالمصفاة الضيقة الثقوب، تصفيه، فلا يصل إلى الكبد منه شيء غليظ خشن فينكؤها؛ لأن الكبد رقيقة لا تحمل الغليظ، فإذا قبلته الكبد أنفذته إلى البدن كله في مجارٍ مهيأة له بمنزلة المجاري المعدة للماء ليسلك في الأرض، فيعمها بالسقي، ثم يبعث ما بقي من الخبث والفضول إلى مصارف قد أعدت لها، فما كان من مرة صفراء بعثت به إلى المرارة، وما كان من مرة سوداء بعثت به إلى الطحال، وما كان من الرطوبة المائية بعثت به إلى المثانة، فمن ذا الذي تولَّى ذلك كله وأحكمه ودبره وقدره أحسن تقدير؟! إنه الله تعالى أحسن الخالقين.
(مفتاح دار السعادة ـ لابن القيم جـ1 صـ298).
يقول بعض الملحدين: إذا كان الله قدر عليَّ أعمالي، فلماذا يحاسبني؟
قال ابن عثيمين (رحمه الله):
أفعال العباد كلها من طاعات ومعاصٍ كلها مخلوقة لله، ولكن ليس ذلك حجَّة للعاصي على فعل المعصية؛ وذلك لأدلة كثيرة، منها:
(1) أن الله أضاف عمل العبد إليه، وجعله كسبًا له فقال سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [غافر: 17]، ولو لم يكن له اختيار في الفعل وقدرةٌ عليه ما نُسب إليه.
(2) أن الله أمر العبد ونهاه ولم يكلفه إلا ما يستطيع؛ لقوله تعالى: ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقوله سبحانه: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، ولو كان مجبَرًا على العمل ما كان مستطيعًا على الفعل أو الكف؛ لأن المجبَر لا يستطيع التخلُّص.
(3) أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري، وأن الأول يستطيع التخلص منه.
(4) أن العاصي قبل أن يُقدِم على المعصية لا يدري ما قدر له، وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك، فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول؟ أليس من الأحرى أن يسلُكَ الطريق الصحيح ويقول: هذا ما قدر لي؟!
(5) أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة؛ قال سبحانه: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].
ولو كان القدر حجةً للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعةٍ؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].
وقال الله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16].
وقال سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾ [غافر: 17].
فدل على أن للعبد فعلًا وكسبًا يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيِّئِه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره.
(شرح لمعة الاعتقاد ـ لابن عثيمين صـ: 94: 93).
علاج ظاهرة الإلحاد:
يمكن أن نوجز علاج ظاهرة انتشار الإلحاد في الدول الإسلامية بالأمور الآتية:
(1) الاهتمام بترسيخ عقيدة توحيد الله تعالى في نفوس المسلمين على اختلاف أعمارهم، وينبغي على العلماء استخدام الوسائل العلمية الحديثة، التي تساعد المسلمين على مشاهدة آيات قدرة الله تعالى في الكون، ويقوم العلماء المتخصصون بالتعليق على هذه الآيات الربانية من الناحية العلمية؛ لكي يزداد المؤمنون إيمانًا مع إيمانهم، وتزول عنهم الشبهات التي يثيرها الملاحدة المنكِرون لوجود الله تعالى.
(2) الاهتمام بالتربية الخُلقية للمسلمين على اختلاف أعمارهم، وذلك عن طريق القرآن الكريم، وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
إن التربية بذكر القدوة الصالحة هي أفضل الوسائل المؤثرة في نفوس الناس، فينبغي أن نضع أمامهم شخصياتٍ صالحةً يقتدون بهم، ويسيرون على نهجهم في جميع أمور حياتهم، وخير قدوة للمسلمين هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
وقال عنه الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
وقد وضَع الله تعالى في شخص نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الصورةَ الكاملة للمنهج السليم القويم؛ ليسير الناس عليه، فيسعدوا في الدنيا والآخرة.
روى أحمد عن سعد بن هشامٍ قال: سألت عائشةَ فقلت: أخبريني عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: "كان خُلُقُه القرآنَ"؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 42، صـ 183).
لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكبرَ قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم مربِّيًا وهاديًا بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام الذي ينطق به.
(3) التصدي - بكلِّ قوة علمية - للردِّ على جميع الشُّبهات التي يثيرها الذين ينكرون وجودَ الله تعالى؛ وذلك عن طريق استخدام جميع وسائل الإعلام المختلفة؛ المقروءة، والمرئية، والمسموعة، ويقوم بهذا العمل مجموعةٌ من العلماء المتخصصين في جميع المجالات.
(4) ينبغي أن تتضمن مناهج التعليم كتابًا يتحدث عن الأدلة والمعجزات الكونية التي تثبت وجودَ الله تعالى، بحيث يكون هذا الكتاب بأسلوب بسيط، ويناسب مراحل التعليم المختلفة، ومزودًا بالصور الطبيعية، وتعليقات العلماء المتخصصين، وهذا سوف يؤدي - إن شاء الله - إلى تربية أجيال صالحة، تؤمن بالله تعالى، وتعمل جاهدةً على تقدم بلادها في جميع مجالات الحياة المختلفة.
• • •
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].
كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وأرجو من يقرؤها أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص والتوفيق، والثبات على الحق، وحُسن الخاتمة؛ فإن دعوة الأخ المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابةٌ
وأختم بقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.