المصحف المرتل

خطبة خطورة الرياء


" الحمدُ للهِ الأوَّلِ الواحِد الجليل، الذي ليسَ لهُ شَبيهٌ ولا نَظيرٌ، له الحمدُ ملءَ السماواتِ وملءَ الأرضِ وملءَ ما شاءَ من شيءٍ بعد، أهل الثناءِ والْمَجد، وكُلُّنا له عبدٌ، وأشهدُ أن لا إلاَّ اللهُ وحده لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه، اصطفاهُ لوحيهِ، وختَمَ بهِ أنبياءَهُ، وجعَلَهُ حُجَّةً على جميع خلْقِهِ، ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42]، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ وتابعيهمِ إلى يومِ الدِّين أمَّا بعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]، ألاَ وإنَّ من أعظمِ الأُمورِ التي تُفسدُ الأعمالَ وتُحبطُها: الرِّياءُ والسُّمْعة، قالَ تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، قالَ ابنُ كثيرٍ: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾ أيْ: ثوَابَهُ وجزاءَهُ الصالِحَ، ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ أي: ما كانَ مُوافقاً لشرْعِ اللهِ، ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾، وهوَ الذي يُرادُ بهِ وَجْهُ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وهذانَ رُكْنَا العَمَلِ الْمُتقَبَّلِ، لا بُدَّ أنْ يكُونَ خالصاً للهِ صَوَاباً على شريعةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) انتهى.
و(عن أبي سعيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: خَرَجَ علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ نَتَذاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فقالَ: «ألا أُخْبرُكُمْ بما هوَ أخْوَفُ عليكُمْ عندي من المسيحِ الدَّجالِ؟»، قالَ: قُلنا: بَلَى، فقالَ: «الشِّرْكُ الخَفِيُّ، أنْ يقومَ الرَّجُلُ يُصلِّي فيُزَيِّنُ صلاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ») رواه ابنُ ماجه وحسَّنه البوصيري، قال الشوكانيُّ: (فإذا كان مجرَّدُ الرِّياءِ هو فعلُ الطاعةِ للهِ عزَّ وجلَّ مَعَ محبَّةِ أنْ يَطَّلَعَ عليها غيرُه أو يُثنى عليه بها أو يَستحسِنُها شِرْكَاً، فكيفَ بما هو مَحْضُ الشِّرك) انتهى.
و(عن محمودِ بنِ لَبيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّرْكُ الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّرْكُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: الرِّيَاءُ، يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لهم يومَ القيامةِ: إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالِهِمْ: اذهَبُوا إلى الذينَ كُنتُمْ تُراءُونَ في الدُّنيا فانظُرُوا هلْ تَجِدُونَ عندَهُمْ جَزَاءً) رواه الإمام أحمد وجوَّد إسناده المنذري.
وعن شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: (كُنَّا نَعُدُّ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّ الرِّياءَ الشِّرْكُ الأصْغَرُ) رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي.
فالرِّياءُ نوعٌ من أنواع الشركِ الأصغر، قال ابنُ القيِّم: (وقدْ يكُونُ هذا شِرْكاً أكْبَرَ بحَسَبِ قائلِهِ ومَقْصدِهِ) انتهى.
وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بهِ، ومَنْ يُرَائي يُرَائي اللهُ بهِ) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (والفرق بينه -الرياء- وبين السُّمعة أن الرِّياء هو العمل لرؤية الناس، والسمعة: العمل لأجل سماعهم، فالرياء يتعلق بحاسة البصر، والسمعة بحاسة السمع، ويَدخلُ فيه أنْ يُخفيَ عمله لله ثم يُحدِّث به الناس) انتهى.

أيها المسلمون: والرياء أنواع، فمنه:
الرِّياء البدني: فيُظهر النُّحُول على جسمه ليُوهم الناس شدَّة اجتهاده وخوفه، ومنه: الرِّياء من جهة اللباس والزِّي: فيلبس خلاف ما يلبسه الناس من الثياب التي يزعم أنه لا يلبسها إلا العلماء والزُّهَّاد، لأجل أن يُقال عنه إنه عالم وعابد وزاهد، ومنه: الرِّياء بالقول: فيُظهر كثرة ذكره ودعائه وعلمه وحُسن تلاوته، ومنه: الرِّياء بالعمل: بطول الصلاة وكثرة الصدقة والكرم ليَحْمَدَهُ الناس عليها، ومنه: الرِّياء بكثرة الأصحاب والزُّوار، فيتكلَّف بدعوة العلماء والوُجهاء ليَحْمَدهُ الناس.
وليُعلَمْ أنَّ للرِّياءِ أسباب: قال ابن قدامة: (اعلم أنَّ أصلَ الرِّياء: حُبُّ الجاهِ والمنزلة، وإذا فُصِّلَ رَجَعَ إلى ثلاثةِ أُصولٍ، وهي: حُبُّ لذَّةِ الحمدِ، والفرارُ من ألم الذمِّ، والطمعُ فيما في أيدي الناس) انتهى.
هذه الأمور الثلاثة التي ذكَرَها ابن قدامة هي الأصول الجامعة الباعثة على الرِّياء، وهي:
أولاً: أن الْمُرائي يُحبُّ حمدَ الناس وثناءهم على أعماله الصالحة من صلاةٍ وصدقةٍ وجهادٍ وكَرَمٍ وتعليمِ العلم، ولم يقصد وجهَ الله، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إنَّ أَوَّلَ الناسِ يُقْضَى يومَ القيامةِ عليهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فأُتِيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعَرَفَها، قالَ: فمَا عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قَاتَلْتُ فيكَ حتى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كذَبْتَ، ولكنَّكَ قاتلْتَ لأنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقدْ قيلَ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فَسُحِبَ على وَجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعلَّمَهُ وقَرَأَ القُرآنَ، فأُتيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعَرَفَها، قالَ: فمَا عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمْتُهُ، وقَرَأْتُ فيكَ القُرآنَ، قالَ: كذَبْتَ، ولكنَّكَ تعَلَّمْتَ العِلمَ ليُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرآنَ ليُقَالَ: هوَ قارئٌ، فقدْ قيلَ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فَسُحِبَ على وجْهِهِ حتى أُلْقيَ في النارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللهُ عليهِ، وأعطَاهُ مِنْ أصنافِ الْمالِ كُلِّهِ، فأُتيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعَرَفَها، قالَ: فمَا عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِنْ سَبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلاَّ أَنْفَقْتُ فيهَا لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولكنَّكَ فعَلْتَ ليُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فقدْ قيلَ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ، ثمَّ أُلْقيَ في النارِ) رواه مسلم.
ثانياً: خوفُ الْمُرائي من ذمِّ الناسِ له، فهو يُنفقُ حتى لا يُقال: بخيل، ويُقاتلُ حتى لا يُقال: جبان.. وهكذا.
ثالثاً: رغبة الْمُرائي بعمله الصالح الحصول على ما عند الناس من حُطام الدنيا، قال تبارك وتعالى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17].

عباد الله لقد أمرَ اللهُ ورسوله صلى الله عليه وسلم بوجوب إخلاص العمل لله، والحذر من الرياءِ لشدَّةِ خطَرِه، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 264]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ﴾ [النساء: 38]، وقال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ *وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 4 - 7]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ [فاطر: 10]، قال ابنُ كثير: (قالَ مُجاهدٌ وسعيدُ بنُ جُبيرٍ وشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ: هُم الْمُرَاؤُونَ بأعمالهم، يَعني يَمْكُرُونَ بالناسِ يُوهِمُونَ أنهم في طاعةِ اللهِ تعالى، وهم بُغَضَاءُ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ يُراءُونَ بأعمالهم) انتهى.

أيها المسلمون إن العمل الصالح إذا دخله الرياء، فإما أن يكون دخله من أساسه، فلم يُصلِّ إلاَّ من أجل الناسِ، فهذا رِياءٌ مَحضٌ، وهو عمل المنافقين، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، ووصفَ الله الكفارَ بالرِّياءِ الْمَحضِ بقوله: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ ﴾ [الأنفال: 47]، قال ابنُ رجب: (وهذا الرِّياءُ الْمَحْضُ لا يَكادُ يَصْدُرُ من مُؤْمِنٍ في فرْضِ الصلاةِ والصيامِ، وقدْ يَصْدُرُ في الصَّدقةِ الواجبةِ أوِ الحَجِّ، وغيرِهِما من الأعمالِ الظاهرةِ، أوِ التي يَتَعَدَّى نَفْعُها، فإنَّ الإخلاصَ فيها عزيزٌ، وهذا العَمَلُ لا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أنهُ حابطٌ، وأنَّ صاحبهُ يَسْتَحِقُّ الْمَقْتَ من اللهِ والعُقُوبَةَ) انتهى.

القسمُ الثاني: إذا شاركَ الرياءُ العملَ من أصلهِ، فإنَّ العمل باطلٌ ومردودٌ على صاحبه، وهذا هو رِياءُ الشرك، ويُخشى عليهِ أن يكون من الشركِ الأكبر، (قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: أنا أَغْنَى الشُّركَاءِ عنِ الشِّرْكِ، منْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْركَ فيهِ معي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ) رواه مسلم.

القسمُ الثالث: أن يكون أصل العمل لله تبارك وتعالى ثم يُشاركه الرياء في أثنائه، قال ابن رجب: (فإنْ كانَ خَاطِراً ودَفَعَهُ، فلا يَضُرُّهُ بغيرِ خلافٍ، وإنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ.. رَجَّحَ الإمام أحمد وابنُ جرير أنَّ عَمَلَهُ لا يَبْطُلُ بذلكَ.. وذكرَ ابنُ جريرٍ أنَّ هذا الاختلافَ إنما هو في عَمَلٍ يَرْتَبطُ آخِرُهُ بأوَّلِهِ، كالصلاةِ والصِّيامِ والحَجِّ، فأَمَّا ما لا ارتباطَ فيهِ كالقراءةِ والذِّكْرِ وإنفاقِ الْمَالِ ونَشْرِ العِلْمِ، فإنهُ يَنْقَطِعُ بنِيَّةِ الرِّياءِ الطارئةِ عليهِ ويَحْتَاجُ إلى تجديدِ نيَّةٍ، فأمَّا إذا عَمِلَ العَمَلَ للهِ خالصاً ثُمَّ أَلْقَى اللهُ لهُ الثَّناءَ الحَسَنَ في قُلُوبِ المؤمنينَ بذلكَ، فَفَرِحَ بفضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ واسْتَبْشَرَ بذلكَ، لمْ يَضُرَّهُ ذلكَ) انتهى.
اللهُمَّ أعذنا أنْ نُشْرِكَ بكَ ونحنُ نعْلَمُ، ونستَغْفِرُكَ لِما لا نعْلَمُ.

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.
أمَّا بعدُ: فلا شكَّ أن للرِّياء آثاراً وأضراراً، فمنها حُبوط العمل وبُطلانه، ومنها: أن الرِّياء يفضحُ صاحبه يوم القيامة، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (ما مِنْ عبدٍ يقومُ في الدُّنيا مقامَ سُمْعَةٍ ورِياءٍ إلا سَمَّعَ اللهُ بهِ على رُؤوسِ الخلائِقِ يومَ القيامَةِ) رواه الطبرانيُّ في الكبير وحسَّنه المنذري، ومنها: أن الرِّياء يجعل المرائي يُبغضه أهل السماوات والأرض، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (وإذا أبْغَضَ عَبْداً دَعَا جبْرِيلَ فيقولُ: إني أُبْغِضُ فُلاناً فأَبْغِضْهُ، قالَ: فيُبْغِضُهُ جبريلُ، ثمَّ يُنادي في أهلِ السَّماءِ إنَّ اللهَ يُبغضُ فُلاناً فأبْغِضُوهُ، قالَ: فيُبْغِضُونَهُ، ثمَّ تُوضَعُ لهُ البغضَاءُ في الأرضِ) رواه مسلم، ومنها: أن المرائي هو أول مَن تُسعَّر به النار يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الثلاثة المرائين (العالم والمجاهد والكريم): (يا أبا هريرةَ: أُولَئكَ الثلاثةُ أوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهِمُ النارُ يومَ القيامَةِ) رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي.
وليُعلم أن هناك أموراً ليست من الرياء: فمنها: تجميل الثياب والنَّعل ونحوها، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ») رواه مسلم

ورضيَ اللهُ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه القائل: (مَنْ تَزَيَّنَ للناس بما ليسَ في قلبهِ شَانَهُ اللهُ) انتهى، وأخيراً: أن يكثر المسلم من الدعاء والتضرع إلى الله بأن يقيه الرياء ودواعيه، فعن مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ رضيَ اللهُ عنهُ قال: (انطلَقْتُ معَ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضيَ اللهُ عنهُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «يا أبا بكرٍ، لَلشِّركُ فيكُمْ أَخْفَى مِن دَبيبِ النَّمْلِ»، فقالَ أبو بكرٍ: وهلِ الشِّركُ إلاَّ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ؟ فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «والذي نفسي بيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخفى من دَبيبِ النملِ، ألا أَدُلُّكَ على شيءٍ إذا قُلْتَهُ ذهَبَ عنكَ قَلِيلُهُ وكَثيرُهُ؟» قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: قُل: اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ أنْ أُشْرِكَ بكَ وأنا أَعْلَمُ، وأستَغْفِرُكَ لِما لا أَعْلَمُ) رواه البخاري في الأدب المفرد، وصحَّحهُ الألبانيُّ.
وأنواع علاج الرياء كثيرة نسأل الله الإعانة في تحقيقها والتداوي بها.
اللهم اجعل أعمالنا كلَّها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً، آمين ".

« الشيخ : عبدالرحمن بن سعد الشثري »
« يوم الجمعة : 01 جمادى الأولى 1441ه‍ - 27 ديسمبر 2019م »

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Por favor, não spam aqui. Todos os comentários são revisados ​​pelo administrador.