الخطبة الأولى
الحمد لله يُنجِّي المؤمنين، ويمحَقُ ويُذِلُّ الكافرين، أحمده - سبحانه - والحمدُ واجبُ له في كل حينٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها الفوزَ يوم الدين، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وإمامُ المتقين ورحمةُ الله للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه الغُرِّ الأبرار الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه واذكُروا أنكم مُلاقوه، موقوفون بين يديه، ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 19].
أيها المسلمون:
التذكيرُ بأيام الله الخالِدة، والوقوفُ أمامَها لأخذ العِبرة، وتذكُّر النِّعَم، ورسمِ مناهجِ السَّير لما يُستقبَلُ من الأيام شأنُ كلِّ أوَّابٍ حفيظٍ، وطريقُ الصَّفوة من عباد الله، ودَيدَنُ المُوفَّقين أُولي الألباب.
وإن من أعظم أيام الله التي يستقبِلُها المُسلمون: يوم عاشوراء، ذلك اليومُ الصالحُ الذي يُذكِّرُ الله فيه أهلَ الإيمان بنعمةٍ من أجلِّ نعمِه، وأعمقِها أثرًا، وأعظمها دلالةً، تلك هي: نعمةُ إنجاء موسى - عليه السلام - ومن معه من المؤمنين، وإغراق الطاغية فرعون وحِزبه وجنوده ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾ [الفجر: 11، 12]، حين استكبَروا في الأرض بغير الحقِّ، ونفَوا القيامة، وأنكَروا المعاد، وبلغ بفرعون عُتُوُّه وعلُوُّه وإسرافُه واستِكبارُه أن قال لقومه: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، وقال لهم أيضًا: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24].
فقصَّ الله خبرَه في كتابٍ يُتلَى ليكون عِبرةَ الأبد، وعِظةَ الأيام، فقال - سبحانه -: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 52- 68].
ويبسُطُ الإمامُ الحافظُ ابن كثيرٍ مدلولَ هذه الآيات العظيمة فيقول: "لما طالَ مقام موسى - عليه السلام - ببلاد مصر وأقام بها حُجَجَ الله وبراهينَه على فرعون وملَئِه، وهم مع ذلك يُكابِرون ويُعانِدون لم يبقَ لهم إلا العذابُ والنَّكال، فأمرَ الله موسى - عليه السلام - أن يخرُج ببني إسرائيل ليلاً من مصر، وأن يمضِيَ بهم حيث يُؤمَر، ففعل موسى - عليه السلام ما أمرَه به ربُّه - عز وجل -، وخرجَ بهم بعد ما استعارُوا من قوم فرعون حُلِيًّا كثيرًا.
وكان خروجُه بهم - فيما ذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين - وقتَ طلوع القمر، فلما أصبحَ قومُ فرعون وليس في نادِيهم داعٍ ولا مُجيبٌ، غاظَ ذلك فرعون واشتدَّ غضبُه على بني إسرائيل لما يُريدُ الله به من الدَّمار، فأرسلَ سريعًا في بلاده من يحصُرُ الجُندَ ويجمعُه، ونادى فيهم قائلاً: إن بني إسرائيل طائفةٌ قليلةٌ، وفي كل وقتٍ يصِلُ لنا منهم ما يغيظُنا، ونحن لذلك نحذَرُ منهم، ونُريدُ أن نستأصِلَ شأفتَهم.
فجُوزِيَ في نفسِه وجُنده بما أراد لهم، فخرجوا من النعيم الذي كانوا فيه، وتركوا تلك المنازِلَ العالية والبساتين والأنهارَ والأموالَ والأرزاقَ والمُلكَ الجاهَ الوافِرَ في الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137].
وذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين أن فرعون خرجَ في محفلٍ عظيمٍ وجمعٍ كبيرٍ من أُولِي الحلِّ والعقد والدول من الأُمراء والوزراء والكُبراء والرُّؤساء والجُنود، فوَصَلوا إليهم عند شروق الشمس، فلما رأى كلٌّ من الفريقَيْن صاحبَه فعند ذلك ﴿ قال أصحابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، فقال لهم موسى - عليه السلام -:﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]؛ أي: لا يصِلُ إليكم شيءٌ مما تحذَرون؛ فإن الله - سبحانه - هو الذي أمرَني أن أسيرَ ها هُنا بكم، وهو - سبحانه - لا يُخلِفُ الميعاد.
وكان هارون - عليه السلام - ومعه يُوشعُ بن نون ومؤمنُ آل فرعون، وموسى - عليه السلام - في السَّاقَة؛ أي: في المُؤخِّرة.
وذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين أنهم وقَفوا لا يدرُون ما يصنَعون، وجعلَ يُوشعُ بن نُون أو مُؤمنُ آل فرعون يقول لموسى - عليه السلام -: يا نبيَّ الله! ها هُنا أمرَك الله أن تسيرَ؟ فيقول: نعم.
واقتربَ فرعونُ وجنودُه ولم يبقَ إلا القليل، فعند ذلك أمرَ الله نبيَّه موسى أن يضرِبَ بعصاه البحر، فضربَه وقال: انفلِق بإذن الله، ﴿ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]؛ أي: كالجبل الكبير.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "صار البحرُ اثنَيْ عشر طريقًا لكلِّ سِبطٍ طريقٌ، وبعثَ الله الرِّيحَ إلى قعر البحر، فلفحَته فصار يَبَسًا كوجه الأرض، قال الله تعالى: ﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴾ [طه: 77].
وقال في هذه القصة: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 64]؛ أي: قرَّبنا من البحر هُنالك فرعون وجُنودَه وأدنيناه إليه، وأنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتَّبَعهم على دينهم، فلم يهلِك منهم أحدٌ، وأغرقَ فرعونَ وجُنودَه فلم يبقَ منهم رجلٌ إلا هلَك".
عباد الله:
إن في هذه الواقِعة من الدلالات والعِبَر ما لا يحُدُّه حدٌّ، ولا يستوعِبُه بيانٌ، وفي الطَّليعة من ذلك: أن الله تعالى هو المُنجِّي من الكُروب والشدائد التي تنزِلُ بأهل الإيمان، لا سيَّما الرُّسُل منهم، كما قال - سبحانه -: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 103].
وهو دليلٌ بيِّنٌ على أن الإيمان والإسلام سببٌ للنجاة من كل ضُرٍّ وشرٍّ في الدنيا، وطريقٌ للفوز بكلِّ خيرٍ ونعيمٍ في الآخرة، إذا التزمَ المرءُ بمُقتضياتهما، وعمِلَ بأحكامهما، وهذا يقتضِي من العبدِ إخلاصَ العبادة لله، وصدقَ اللُّجوء إليه، وكمالَ التوكُّل عليه، ولُزومَ بابه بشدَّة الضراعة والإلحاح والتوسُّل إليه، ( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [غافر: 65].
ومن ذلك: أن سُنَّةَ الله في دحرِ الطُّغيان وهزيمة جُنده ماضيةٌ لا تتخلَّفُ ولا تتبدَّلُ، ولهذا قال - سبحانه - في بيان عاقبة فرعون:﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 40- 42].
وعلى العكس منهم: أولئك الذين استُضعِفوا في الأرض، فنالَهم من صُنوف الأذى والعُدوان ما نالَهم، ونزلَ بهم من الضرِّ والشدائد ما نزَل، فقد جعلَ الله عاقبتَهم عِزًّا وسيادةً ورِيادةً وتمكينًا في الأرض، واستِخلافًا فيها، كما قال - سبحانه -: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5، 6].
وهذه عاقبةُ الحقِّ وأهله على الدوام، مهما اغبرَّ وجهُ الحق، وغشِيَته غواشِي الباطل، وإن بشائرَ تحقُّق هذه العاقبةِ للمُؤمنين المُستضعَفين في غزَّة وسائر فلسطين، وفي سُوريا وميانمار، لتلُوحُ في الأُفُق القريب - إن شاء الله -.
فبُشرى لهم، ثم بُشرى، ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم: 4، 5].
نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فيا عباد الله:
لقد سنَّ رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - للأمَّة صيامَ هذا اليوم العظيمِ المُبارَك شُكرًا لله تعالى على نعمةِ إنجائِه موسى - عليه السلام - ومن معه من المُؤمنين، وإغراقِ فرعون وجُنودِه، وإظهارًا لوَثيقِ الصِّلةِ بين الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، ولبيان أن دينَهم واحدٌ وإن كانت شرائِعُهم شتَّى.
فقد أخرجَ الشيخان في "صحيحيهما"، واللفظُ للبُخاريِّ - رحمه الله -، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: قدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، فرأى اليهودَ تصومُ يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟». قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومُ نجَّى اللهُ بني إسرائيل من عدُوِّهم، فصامَه موسى. قال - صلى الله عليه وسلم -: «فأنا أحقُّ بمُوسى منكم»، فصامَه وأمرَ بصيامه.
وفي لفظٍ لمُسلمٍ - رحمه الله -: «هذا يومٌ عظيمٌ أنجَى الله فيه موسى وقومَه، وأغرقَ فرعون وقومَه، فصامَه موسى».
وفي لفظٍ للطبراني - رحمه الله -: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: «نحن أحقُّ باتباع مُوسى منكم».
وأخبرَ - صلوات الله وسلامه عليه - عن عِظَم ثواب صيام هذا اليوم فقال: «صيامُ يوم عاشوراء أحتسِبُ على الله أن يُكفِّرَ السَّنةَ التي قبلَه»؛ أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" من حديثِ أبي قتادةَ الأنصاريِّ - رضي الله عنه -.
ومن السُّنَّة - يا عباد الله - في صيامه: أن يُصامَ يومٌ قبلَه؛ فقد أخرجَ مُسلمٌ في "صحيحه" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لئن بقِيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسِعَ».
والمُعتمَدُ لدى أهل العلمِ بالحديث - يا عباد الله - أنه لا يصِحُّ في يوم عاشوراء ولا في ليلته ولا في التوسِعةِ فيه على العِيالِ حديثٌ، وكلٌّ ما يُروَى في ذلك فهو مردودٌ لا يصِحُّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا يُستحبُّ فيه سِوى صيامِه وصيامِ يومٍ قبلَه.
فيجبُ اجتِنابُ ما أُحدِثَ فيه من البِدَع؛ كإحياء ليلته وتخصيصِها بالذِّكر والتعبُّد، وتخصيصِه بدعاءٍ خاصٍّ له يُسمَّى "دعاء عاشوراء"، واعتقاد أن من قرأَه لم يمُت سنتَه تلك، وقراءة سُورةٍ يُذكرُ فيها نبيُّ الله موسى - عليه الصلاة والسلام - في صلاة الصبح يوم عاشوراء، والاجتِماع في يومِه للذِّكر والدعاء، ونعيِ الحُسين - رضي الله عنه - ذلك اليوم على المنابِر، واعتِقاد أن البَخورَ يوم عاشوراء رُقيةٌ يُدفَعُ بها السِّحرُ والحسَدُ والمسُّ والنَّكَد، إلى غير ذلك مما لم يأذَن به الله ولم يشرَعه رسولُه - صلوات الله وسلامه عليه -، ولا عمِلَه أحدٌ من صحابته - رضوان الله عليهم أجمعين -.
وقد حذَّر رسولُ الهُدى - صلوات الله وسلامُه عليه - من الإحداثِ في دين الله فقال: «من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ» - أي: مردودٌ على صاحبه -؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
وفي لفظٍ لمُسلمٍ - رحمه الله -: «من عمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ».
فاتقوا الله - عباد الله -، واحرِصوا على إدراك هذا الفضلِ العظيم؛ بصيام هذا اليوم العظيم، ولُزوم السنَّة فيه، بالاتباع لهدي خيرِ الورَى - صلى الله عليه وسلم -، وحذارِ من ابتِداع ما لم يأذَن به اللهُ في هذا اليوم وفي سائر الأيام؛ فكلُّ خيرٍ في اتباع من سلَف، وكلُّ شرٍّ في ابتِداع من خلَف.
واذكروا على الدَّوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدقِ الحديث وأحسنِ الكلام: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينكَ، وكتابكَ، وسنةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء، اللهم أسبِغ عليه نعمةَ الصحة التامة والعافية يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم التَّناد.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم أحسِن لهم المثوبةَ، وأعظِم لهم الأجرَ على ما يُقدِّمونَه من خدماتٍ لحُجَّاج بيتك الحرام، اللهم اكتُب المثوبةَ وعِظَم الأجر لكل من كان له يدٌ في خدمة حُجَّاج بيت الله الحرام مدنيِّين وعسكريِّين يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتِك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخَطك، اللهم إنا نسألُك من خيرِ ما سألَك منه عبدُك ونبيُّك محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذَك منه عبدُك ونبيُّك محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، أنت المُستعانُ وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم انصر واحفَظ المُسلمين في سوريا، وفي غزَّة وفي سائر فلسطين، وفي ميانمار، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم انصُرهم على عدوِّهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم اشفِ جرحاهم، واكتُب أجرَ الشهادة لقتلاهم يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضيك آمالَنا، واختِم بالصالحات أعمالَنا.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8] ، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
وصلَّى اللهم وسلَّم على عبدِه ورسولِه نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
[ الشيخ : أسامة بن عبد الله خياط ]